مصلحة محضة، الزيارة التي يخشى بها أعظم الفتنة وتتخذ وسيلة إلى ما يبغضه المزور ويكرهه ويمقت فاعله حتى لو كانت الزيارة من أفضل القربات، وكانت ذريعة ووسيلة إلى ما يكرهه المزور ويبغضه لنهي عنها طاعة له وتعظيماً ومحبة وتوقيراً وسعياً في محابه، كما نهى عن الصلاة التي هي قربة إلى الله في الأوقات المخصوصة لما يستلزم من حصول ما يكرهه الله ويبغضه، ولم يكن في ذلك إخلال بتعظيم الله بل هذا عين تعظيمه وإجلاله وطاعته، فتأمل هذا الموضع حق التأمل فإنه سر الفرق بين عباد القبور وأهل التوحيد.
وقوله: إن زيارته سبب لأن تنالنا الرحمة بصلاتنا وسلامنا عليه، فيقال له: كأ، الرحمة لا تنال بالصلاة والسلام عليه عندك إلا من صلى عليه وسلم عند قبره،وهذا ما لا تقوله أنت ولا أحد من المسلمين معك، فهو كلام فيه تمويه وتلبيس، قوله: فإن قلت: الفرق أيضاً أن غيره لا يخشى فيه محذور وقبره يخشى الإفراط في تعظيمه أن يعيده، سؤال لا تخفى صحته وقوته على أهل العلم والإيمان، وقوله في جوابه: هذا الكلام تقشعر منه الجلود ولولا خشية اغترار الجهال به لما ذكرته، فيقال نعم تقشعر منه جلود عباد القبور، الذين إذا دعو إلى عبادة الله وحدة وأن لا يشرك به ولا يتخذ من دونه وثن يعبد اشمأزت قلوبهم واقشعرت جلودهم وأكفهرت وجوههم، ولا يخفى أن هذا نوع شبه موافقة للذين قال الله فيهم {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} (الزمر 045) ثم يقال: أما جلود أهل التوحيد المتبعين للرسول العالمين بمقاصده الموافقين له فيما أحبه ورغب فيه وكرهه وحذر منه، فإنها لا تقشعر من هذا الفرق، بل تزيد قلوبهم وجلودهم طمأنينة وسكينة وهم يستبشرون، وأما الذين في قلوهم مرض فلا تزيدهم قواعد التوحيد وأدلته وحقائقه وأسراره إلا رجساً إلى رجسهم، وإذا سلك التوحيد في قلوبهم دفعته قلوبهم وأنكرته ظناً منهم أنه تنقص وهضم الأكابر وإزراء بهم، وحط لهم من مراتبهم واتباع هؤلاء ضعفاء العقول، وهم أتباع كل ناعق، يميلون مع كل صائح لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
وأما أهل العلم والإيمان فإنما تقشعر جلودهم من مخالفة الرسول فيما أمر ومن ترك قبول فيما أخبر، ومنقول القائل وإقراره بأن اليقين لا يستفاد بقوله وأنه يجب تقديم عقول الرجال وآرائهم على قوله إذا خالفها وأنه يجب أو يشرع الحج إلى قبره، ويحعل من أعظم الأعياء ويحتج بفعل العوام والطغام على أن هذا من دينه ويقدم هديهم على هدي المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، ويستحل تكفير من نهى عن أسباب الشرك