بطال: وقد سئل مالك عن زيارة القبور، فقال: قد كان نهي عنه عليه السلام، أذن فلو فعل ذلك إنسان ولم يقل إلا خيراً لما بذلك بأساً، من عمل الناس، وروي عنه أنه كان يضعف زيارتها وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أولاً عن زيارة القبور، باتفاق العلماء، فقيل: لأن ذلك يقضي إلى الشرك،وقيل لأجل الناحية عندها، وقيل: لأنهم كانوا يتفاخرون بها، وقد ذكر طائفة من العلماء في قوله: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ () حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} (التكاثر 001-002) أنهم كانوا يتكاثرون بقبور الموتى، وممن ذكره ابن عطية في تفسيره قال: وهذا ت|أنيب على الإكثار من زيارة القبور، أي حتى جعلتم أشغالكم القاطعة لكم العبادة والعلم زيارة القبور تكثراً بمن سلف وإشادة بذكره، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزروها ولا تقولوا هجراً)) (?) فكان نهيه عن معنى الآية، ثم أباح الزيارة بعد لمعنى اتعاظ لا لمعنى المباهاة والتفاخر وتسنيمها بالحجارة الرخام وتلوينها سرفاً وبنيان النواويس عليها، هذا لفظ ابن عطية.
والمقصود أن العلماء متفقون على أنه كان نهي عن زيارة البور،ونهي عن الانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والنقير، واختلفوا هل نسخ ذلك، فقالت طائفة: لم ينسخ ذلك لأن أحاديث النسخ ليست مشهورة ولهذا لم يخرج البخاري ما فيه نسخ عام، وقال الأكثرون، بل نسخ ذلك، ثم قالت طائفة منهم: إنما نسخ إلى الإباحة فزيارة القبور مباحة لا مستحبة، وهذا قول في مذهب مالك وأحمد وقالوا: لأن صيغة افعل بعد الحظر، إنما تفيد الإباحة، كما قال في الحديث، ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزروها وكنت نهيتكم عن الانتباذ في الأوعية فانتبذوا ولا تشربوا مسكراً)) (?) .
وقد روى ولا تقولوا هجراً وهذا يدل على أن النهي كان لما يقال عندها من الأقوال المنكرة سداً للذريعة كالنهي عن الانتباذ في الأوعية كان لأن الشدة المطربة تذب فيها ولا يدري بذلك فيشرب الشارب الخمر وهو لا يدري.
وقال الأكثرون: زيارة قبور المؤمنين مستحبة للدعاء للموتى مع السلام عليهم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى البقيع فيدعو لهم، وكما ثبت عنه في الصحيحين أنه خرج إلى شهداء أحد فصلى عليهم صلاته على الموتى كالمودع للأحياء والأموات (?) ، وثبت في