القرب مستلزم لجعل القبر من أجل الأعياد، وهذا ضد ما حذر منه الأمة ونهاهم عنه وهو تقرب إليه بما يسخطه ويبغضه.
الوجه الخامس: الكلام على ما ذكره من الأدلة مفصلاً وبيان عدم دلالته على ما ادعاه وأنه هو وغيره عاجز عن إقامة دليل واحد فضلاً عن الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
فأما استدلاله بقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ} (النساء 064) فالكلام فيها في مقامين.
أحدهما: عدم دلالتها على مطلوبة.
الثاني: بيان دلالتها على نقيضه، وإنما يتبين الأمران بفهم الآية، وما أريد بها وسيقت له وما فهمه منها أعلم الأمة بالقرآن ومعانيه، وهم سلف الأمة ومن سلك سبيلهم ولم يفهم منها أحد من السلف والخلف إلا المجيء إليه في حياته ليستغفر لهم، وقد ذم تعالى من تخلف عن هذا المجيء إذا ظلم نفسه وأخبر أنه من المنافقين فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} (المنافقون 005) وكذلك هذه الآية إنما هي في المنافق الذي رضي بحكم كعب بن الأشرف وغيره من الطواغيت دون حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فظلم نفسه بهذا أعظم ظلم، ثم لم يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له، فإن المجيء إليه ليستغفر له توبة وتنصل من الذنب، وهذه كانت عادة الصحابة معه صلى الله عليه وسلم أن أحدهم متى صدر منه ما يقتضي التوبة جاء إليه فقال: يا رسول الله فعلت كذا وكذا فاستغفر لي وكان هذا فرقاً بينهم وبين المنافقين.
فلما استأثر الله عز وجل بنبيه صلى الله عليه وسلم ونقله من بين أظهرهم إلى دار كرامته لم يكن أحد منهم قط يأتي إلى قبره ويقول يا رسول الله فعلت كذا وكذا فاستغفر لي، ومن نقل هذا عن أجد منهم فقد جاهر بالكذب والبهت، وافترى على الصحابة والتابعين وهم خير القرون على الإطلاق هذا الواجب الذي ذم الله سبحانه من تخلف عنه وجعل التخلف عنه من أمارات النفاق، ووفق له لمن لا توبة له من الناس ولا يعد في أهل العلم، وكيف أغفل هذا الأمر أئمة الإسلام وهداة الأنام من أهل الحديث والفقه والتفسير ومن لهم لسان صدق في الأمة فلم يدعوا إليه ولم يحضوا عليه ولم يرشدوا إليه ولم يفعله أحد منهم