الجحيم (?) ولم يكن أحد من السلف يأتي إلى قبر نبي أو غير نبي لأجل الدعاء عنده، ولا كان الصحابة يقصدون الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند قبر غيره من الأنبياء، وإنما كانوا يصلون ويسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم،وعلى صاحبه واتفق الأئمة على أنه إذا دعا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، لا يستقبل قبره وتنازعوا عند السلام عليه، فقال مالك وأحمد وغيرهما: يستقبل قبره ويسلم عليه وهو الذي ذكره أصحاب الشفاعي، وأظنه منصوباً عنه، وقال أبو حنيفة: بل يستقبل القبلة ويسلم عليه هكذا في كتب أصحابه.

وقال مالك فيما ذكره إسماعيل بن إسحاق في المبسوط، والقاضي عياض وغيرهما: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ولكن يسلم ويمضي، وقال أيضاً في المبسوط: لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو له ولأبي بكر وعمر (?) ، فقيل له: فإن ناساً من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون ذلك في اليوم مرة، أو أكثر، وربما وقفوا في الجمعة أو في الأيام المرة والمرتين، أو أكثر عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا، وتركه واسع، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده.

وقد تقدم في ذلك من الآثار عن السلف والأئمة ما يوافق هذا، ويؤيده من أنهم كانوا إنما يستحبون عند قبره ما هو من جنس الدعاء له والتحية كالصلاة والسلام ويكرهون قصده للدعاء والوقوف عنده للدعاء،ومن يرخص منهم في شيء من ذلك، فإنه إنما يرخص فيما إذا سلم عليه، ثم أراد الدعاء أن يدعو مستقبلاً القبلة، إما مستدبراً القبر، وإما منحرفاً عنه، وهو أن يستقبل القبلة ويدعوا ولا يدعو مستقبلاً القبر،وهكذا المنقول عن سائر الأئمة ليس في أئمة المسلمين من استحب للمرء أن يستقبل قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو عنده.

وهذا الذي ذكرناه عن مالك والسلف يبين حقيقة الحكاية المأثورة عنه، وهي الحكاية التي ذكرها القاضي عياض عن محمد بن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله أدب قوماً فقال {أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} (الحجرات 002)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015