المعترض الاحتجاج دائماً بما يظنه موافقاً لهواه،ولو كان من المنخنقة والموقوذة والمتردية، وليس هذا شأن العلماء،بل المستدل بحديث أو أثر عليه أن يبين صحته ودلالته على مطلوبه،وهذا المنقول عن عمر رضي الله عنه لو كان ثابتاً عنه، لم يكنفيه دليل على محل النزاع،وقد عرف أن شيخ الإسلام لا ينكر الزيارة على الوجده المشروع ولا يكرهها، (بل يحض عليها) ويندب إلى فعلها، والله الموفق للصواب.

ثم قال المعترض

وقد ذكر المؤرخون والمحدثون منهم أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب، وأحمد بن يحيى البلاذري في تاريخ الأشراف، وابن عبد ربه في العقد أن زياد بن أبيه أراد الحج فأتاه أبو بكرة، وهو لا يكلمه فأخذ ابنه فأجلسه في حجرة ليخاطبه ويسمع زياداً فقال:إن أباك فعل وفعل وأنه يريد الحج، وأم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هناك (فإن) أذنت له فأعظم بها مصيبة وخيانة لرسول الله، وإن هي حجته فأعظم بها حجة عليه، فقال زياد: ما تدع النصيحة لأخيك، وترك الحج في تلك السنة، هكذا حكاها البلاذري.

وحكى ابن عبد البر ثلاثة أقوال.

أحدهما: أنه حج ولم يزر من أجل قول أبي بكرة.

والثاني: أنه دخل المدينة وأراد الدخول على أم حبيبة، فذكر قوله أبي بكرة فانصرف عن ذلك.

والثالث: أن أم حبيبة حجته ولم تأذن له، والقصة على كل تقدير تشهد، لأن زيارة الحاج كانت معهودة من ذلك الوقت، وإلا فكان زياد يمكنه أن يحج من غير طريق المدينة، بل هي أقرب إليه لأنه كان بالعراق، والإتيان من العراق إلى مكة أقرب، ولكن كان إتيان المدينة عندهم أمراً لا يترك، انتهى ما ذكره.

فالجواب: أن يقال: هذا من نمط ما قبله في الاحتجاج بما ليس بثابت عند العلماء وليس فيه دليل على المطلوب، بل هو على نقيض مراد المعترض أدل منه على مطلوبة، وهذه القصة المروية في أمر أبي بكرة وزياد، مختلف فيها، وعلى كل تقدير فزياد بن أبيه،ليس ممن يحتج بقوله، ولا يعرج على فعله، وزياد الحاج لم ينكرها الشيخ ولا كرهها، بل استحبها كغيره من العلماء، وذكرها في مناسكه ومصنفاته وفتاويه وقد قال في بعض مناسكه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015