قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} فجعل سبحانه ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى للمهاجرين والأنصار والذين جاءوا من بعدهم مستغفرين للسابقين وداعين الله أن لا يجعل في قلوبهم غلا لهم فعلم أن الاستغفار لهم وطهارة القلب من الغل لهم أمر يحبه الله ويرضاه ويثني على فاعله كما أنه قد أمر بذلك رسوله في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} وقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ومحبة الشيء كراهته لضده فيكون الله يكره السب لهم الذي هو ضد الاستغفار والبغض لهم الذي هو ضد الطهارة وهذا معنى قول عائشة رضي الله عنها: "أمروا بالاستغفار لأصحاب محمد فسبوهم" رواه مسلم.
وعن مجاهد عن ابن عباس قال: "لا تسبوا أصحاب محمد فإن الله قد أمرنا بالاستغفار لهم وقد علم أنهم سيقتتلون" رواه الإمام أحمد.
وعن سعد بن أبي وقاص قال: "الناس على ثلاث منازل فمضت منزلتان وبقيت واحدة فأحسن ما أنتم كائنون عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت قال: ثم قرأ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} إلى قوله: {وَرِضْوَاناً} فهؤلاء المهاجرون وهذه منزلة قد مضت {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} إلى قوله: {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} قال: هؤلاء الأنصار وهذه منزلة قد مضت ثم قرأ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} إلى قوله: {رَحِيمٌ} قد مضت هاتان وبقيت هذه المنزلة فأحسن ما أنتم كائنون عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت يقول: أن تستغفروا لهم" ولأن من حاز سبه بعينه أو بغيره لم يجز الاستغفار له كما لا يجوز الاستغفار للمشركين لقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ