صار به أغلظ جرما من مجرد نقض العهد أو فعل ما هو أعظم من أكثر الأمور المضرة كما تقدم فصار بمنزلة من قرن بنقض عهده أذى المسلمين في دم أو مال أو عرض وأشد وإذا كان كذلك فإسلامه لا يزيل عنه عقوبة هذا الإضرار كما دلت عليه الأصول في مثله وعقوبة هذا الإضرار قد ثبت أنه القتل بالنص والإسلام الطارئ لا يمنع ابتداء هذه العقوبة فإن المسلم لو ابتدأ بمثل هذا قتل قتلا لا يسقط بالتوبة كما تقدم.
وإذا لم يمنع الإسلام ابتداءها فأن لا يمنع بقاءها ودوامها أولى وأحرى لأن الدوام والبقاء أقوى من الابتداء والحدوث في الحسيات والعقليات والحكميات.
ألا ترى أن العدة والإحرام والردة تمنع ابتداء النكاح ولا تمنع دوامه والإسلام يمنع ابتداء الرق ولا يمنع دوامه ويمنع ابتداء وجوب القود وحد القذف على المسلم إذا قتل أو قذف ذميا ولا يمنع دوامه عليه إذا أسلم بعد القتل والقذف.
ولو فرض أن الإسلام يمنع ابتداء قتل هذا فلا يجب أن يسقط القتل بإسلامه لأن الدوام أقوى من الابتداء وجاز أن يكون بمنزلة القود وحد القذف فإن الإسلام يمنع ابتداءه دون دوامه لا سيما والسب فيه حق لآدمي ميت وفيه جناية متعلقة بعموم المسلمين فهو مثل القتل في المحاربة ليس حقا لمعين وإذا كان كذلك وجب استيفاؤه كغيره من المحاربين المفسدين.
يحقق ذلك أن الذمي إذا قطع الطريق وقتل مسلما فهو يعتقد في دينه جواز قتل المسلم وأخذ ماله وإنما حرمه عليه العهد الذي بيننا وبينه كما أنه يعتقد جواز السب في دينه وإنما حرمه عليه العهد وقطع الطريق قد يفعل استحلالا وقد يفعل استخفافا بالحرمة لغرض كما أن سب الرسول قد يفعل استخفافا بالحرمة لغرض فهو مثله من كل وجه إلا أن مفسدة ذلك في الدنيا ومفسدة هذا في الدين وهي أعظم من مفسدة الدنيا عند المؤمنين بالله