ومعلوم أن محاربة الله ورسوله هي المغالبة على خلاف ما أمر الله ورسوله إذ المحاربة لذات الله ورسوله محال فمن سب الله ورسوله لم يسالم الله ورسوله لأن الرسول لم يسلم منه بل طعنه في رسول الله صلى الله عليه وسلم مغالبة لله ورسوله على خلاف ما أمر الله به على لسان رسوله وقد أفسد في الأرض كما تقدم فيدخل في الآية.
وقد تقدم في المسألة الأولى أن هذا الساب محاد لله ورسوله مشاق لله تعالى ورسوله وكل من شاق الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله لأن المحاربة والمشاقة سواء فإن الحرب هو الشق ومنه سمي المحارب محاربا وأما كونه مفسدا في الأرض فظاهر.
واعلم أن كل ما دل على أن السب نقض للعهد فقد دلل على أنه محاربة لله ورسوله لأن حقيقة نقض العهد أن يعود الذمي محاربا فلو لم يكن بالسب يعود محاربا لما كان ناقضا للعهد وقد قدمنا في ذلك من الكلام ما لا يليق إعادته لما فيه من الإطالة فليراجع ما مضى في هذا الموضوع فبقى أنه سعى في الأرض فسادا وهذا أوضح من أن يحتاج إلى دليل فإن إظهار كلمة الكفر والطعن في المرسلين والقدح في كتاب الله ودينه ورسله وكل سبب بينه وبين خلقه لا يكون شيء أشد منه فسادا وعامة الآي في كتاب الله التي تنهى عن الإفساد في الأرض فإن من أكثر المراد بها الطعن في الأنبياء كقوله سبحانه عن المنافقين الذين يخادعون الله والذين آمنوا: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} قال تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} وإنما كان إفسادهم نفاقهم وكفرهم وقوله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} وقوله سبحانه: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}