وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} والسعي هو العمل والفعل فمن سعى ليفسد أمر الدين فقد سعى في الأرض فسادا وإن خاب سعيه وقيل: إنه نصب على المصدر أو على الحال تقديره سعى في الأرض مفسدا كقوله: {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} أو كما يقال: جلس قعودا وهذا يقال لكل من عمل عملا يوجب الفساد وإن لم يؤثر لعدم قبول الناس له وتمكينهم إياه بمنزلة قاطع الطريق إذا لم يقتل أحدا ولم يأخذ مالا على أن هذا العمل لا يخلو من فساد في النفوس قط إذا لم يقم عليه الحد.

وأيضا فإنه لا ريب أن الطعن في الدين وتقبيح حال الرسول في أعين الناس وتنفيرهم عنه من أعظم الفساد كما أن الدعاء إلى تعزيره وتوقيره من أعظم الصلاح والفساد ضد الصلاح فكما أن كل قول أو عمل يحبه الله فهو من الصلاح فكل قول أو عمل يبغضه الله فهو من الفساد قال سبحانه وتعالى: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} يعني الكفر والمعصية بعد الإيمان والطاعة ولكن الفساد نوعان: لازم وهو مصدر فسد يفسد فسادا ومتعد وهو اسم مصدر أفسد يفسد إفسادا كما قال تعالى: {سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} وهذا هو المراد هنا لأنه قال: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} وهذا إنما يقال لمن أفسد غيره لأنه لو كان الفساد في نفسه فقط لم يقل سعى في الأرض فسادا وإنما يقال في الأرض لما انفصل عن الإنسان كما قال سبحانه وتعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَاب}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015