ومن فرق بين سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين سائر النواقض قال: لأن هذا حق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعف عنه فلا يجوز إسقاطه بالاسترقاق ولا بالتوبة كسب غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي إن شاء الله تحرير مأخذ السب.
وأما من قال إنه يتعين قتله إذا نقضه بما فيه مضرة على المسلمين دون ما إذا لم يوجد منه إلا مجرد اللحاق بدار الحرب والامتناع عن المسلمين فلأن الله تعالى قال: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَأُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} إلى قوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} فأوجب سبحانه قتال الذين نكثوا العهد وطعنوا في الدين ومعلوم أن مجرد نكث العهد موجب للقتال الذي كان واجبا قبل العهد وأوكد فلا بد أن يفيد هذا زيادة توكيد وما ذاك إلا لأن الكافر الذي ليس بمعاهد يجوز الكف عنى قتاله إذا اقتضت المصلحة ذلك إلى وقت فيجوز استبقائه بخلاف هذا الذمي نقض وطعن فإنه يجب قتاله من غير استتابة وكل طائفة وجب قتالها من غير استئناف لفعل يبيح دم آحادها فإنه يجب قتل الواحد منهم إذا فعله وهو في أيدينا كالردة والقتل في المحاربة والزنى ونحو ذلك بخلاف البغي فإنه لا يبيح دم الطائفة إلا إذا كانت ممتنعة وبخلاف الكفر الذي لا عهد معه فإنه يجوز الاستيناء بقتل أصحابه بالجملة وقوله سبحانه: {يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ} دليل على أن الله تعالى يريد الانتقام منهم وذلك لا يحصل من الواحد إلا إذا قتل ولا يحصل إن من عليه أو فودي به أو استرق نعم دلت الآية على أن الطائفة الناقضة الممتنعة يجوز أن يتوب الله على من يشاء منها بعد أن يعذبها