يوجب القصاص أو الحد فأما ما دون هذا من الفعل أو القول فكل قول فيعاقب عليه ولا يقتل.
قال: فإن فعل أو قال ما وصفنا وشرط أنه يحل دمه فظفر به فامتنع من أن يقول "أسلم أو أعطى جزية" قتل وأخذ ماله فيئا وهذا اللفظ يعطى وجوب قتله إذا امتنع من الإسلام والعود إلى الذمة.
وسلك أبو الخطاب في "الهداية" والحلواني وكثير من متأخري أصحابنا مسلك المتقدمين في إقرار نصوص الإمام أحمد بحالها وهو الصواب فإن الإمام أحمد قد نص على القتل عينا فيمن زنى بمسلمة حتى بعد الإسلام وجعل هذا أشد من نقض العهد باللحاق بدار الحرب ثم إنه نص هناك على أن الأمر إلى الإمام كالأسير ونص هنا على أن على الإمام يخير أن يقتل ولا يخفى لمن تأمل نصوصه أن القول بالتخيير مطلقا مخالف لها.
وأما أبو حنيفة فلا تجئ هذه المسألة على أصوله لأنه لا ينتقض عهد أهل الذمة عنده إلا أن يكونوا أهل شوكة ومنعة فيمتنعون بذلك على الإمام ولا يمكنه إجراء أحكامنا عليهم.
ومذهب مالك لا ينتقض عهدهم إلا أن يخرجوا ممتنعين منا مانعين للجزية من غير ظلم أو يلحقوا بدار الحرب لكن مالكا يوجب قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم عينا وقال: "إذا استكره الذمي مسلمة على الزنى قتل إن كانت حرة وإن كانت أمة عوقب العقوبة الشديدة" فمذهبه إيجاب القتل لبعض أهل الذمة الذين يفعلون ما فيه ضرر على المسلمين فمن قال؟: "إنه يرد إلى مأمنه" قال: لأنه حصل في دار الإسلام بأمان فلم يجز قتله حتى يرد إلى مأمنه كما لو دخلها بأمان صبي وهذا ضعيف جدا لأن الله تعالى قال في كتابه: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} الآية