وقد تعامى الفتان عن كلام الموفق في (باب الربا والصرف) وأعرض عنه وجاء إلى كلامه في القرض فاستدل به على تحليل الربا في المصارف وأوهم الجهال أن كلام الموفق يفيد جوازه فيها، وهذا من التلبيس على الجهال ووضع كلام الموفق في غير موضعه، وإنما تعامي الفتان عن كلام الموفق في (باب الربا والصرف) وأعرض عن ذكره لأنه صرح في تحريم ربا الفضل وربا النسيئة وقد ذكر الدليل على تحريمهما من الكتاب والسنة والإجماع، وفي ذكره لذلك أبلغ رد على الفتان المفتون.
وأما كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فقد تقدم أنه ليس في مسائل الربا وإنما هو في تأجير الأرض التي تكون مشتملة على غراس وأرض تصلح للزرع، وقد ذكر شيخ الإسلام أن الفقهاء اختلفوا في تأجيرها على ثلاثة أقوال، وقد صحح القول بالجواز ورد على من قال بالتحريم وأطال الكلام في الرد عليهم وقال في أثنائه: "فكل ما لا يتم المعاش إلا به فتحريمه حرج وهو منتف شرعًا" ثم قال بعد ذلك: "فكل ما احتاج الناس إليه في معاشهم ولم يكن سببه معصية - هي ترك واجب أو فعل محرم - لم يحرم عليهم لأنهم في معنى المضطر الذي ليس بباغ ولا عاد" هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، فليتأمل آخر كلامه فإن في أبلغ رد على الفتان الذي قد تقول على شيخ الإسلام وأوهم الجهال أن كلامه يفيد جواز الربا في المصارف، وقد تقدم الرد على الفتان بأبسط من هذا، وذكرت فيه عن شيخ الإسلام أنه قال: "المراباة حرام بالكتاب والسنة والإجماع"، وقال أيضا: "لفظ الربا يتناول كل ما نهي عنه من ربا النسأ وربا الفضل والقرض الذي يجر منفعة وغير ذلك، فالنص متناول لهذا كله"، فليراجع ما تقدم (?) من كلام شيخ الإسلام والرد على الفتان فيما يتعلق به، ففي ذلك تنبيه على دسائس الفتان وتلبيسه وجراءته على التقول على أكابر العلماء ووضع كلامهم على غير مواضعه وحمله على ما يوافق رأيه الفاسد في تحليل الربا، وإنه لينطبق على الفتان قول الله -تعالى-: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، وقوله -تعالى-: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وقوله -تعالى-: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}.