كانت متيسرة لكل منهم على حسب ما قسم الله لهم من الرزق، ولم يكن في عدم المصارف في زمانهم أدنى شيء من المضرة لهم في مصالح معاشهم.
وإذا علم أن مصالح الناس في معاشهم ليست متوقفة على التعامل مع أهل المصارف بالمعاملات الربوية، وعلم أيضا أن المعاش يتم بدونها، فليعلم أيضا أن شبه الفتان التي يلبس بها على الجهال ويحاول بها تحليل الربا في المصارف كلها شبه باطلة وحجج داحضة مردودة بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والإجماع على تحريم الربا تحريما مطلقا يعم جميع أنواع الربا ولا تتطرق إليه الأباطيل والشبه التي يلفقها المتلاعبون بالدين.
الوجه الثالث: أن يقال: إن الفتان قد طبق دفع الحرج الواجب دفعه على تحليل الربا في المصارف وزعم أن ذلك من العمل بنص القرآن.
والجواب: أن يقال: إن هذا من تحريف الكلم عن مواضعه ومن القول في القرآن بغير علم وذلك من أعظم المحرمات، وقد ورد الوعيد الشديد على ذلك، وقد ذكرت ما جاء فيه في أول الكتاب فليراجع (?)، وليس تحليل الربا في المصارف من رفع الحرج كما زعم ذلك الفتان وزعمه قبله بعض المتلاعبين بالدين، وإنما هو من المحادة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومخالفة إجماع المسلمين. وما أشد الخطر في هذا.
وإذا علم هذا فليعلم أيضا أن رفع الحرج الذي قال الله فيه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} هو استعمال الرخص التي رخص فيها الشارع عند الحاجة، قال ابن كثير في الكلام على هذه الآية: "أي ما كلفكم ما لا تطيقون وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجا ومخرجا، فالصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربعًا وفي السفر تقصر إلى اثنتين وفي الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة كما ورد به الحديث، وتصلي رجالاً وركبانًا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها، والقيام فيها يسقط لعذر المرض فيصليها المريض جالسًا فإن لم يستطع فعلي جنبه. إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات في سائر الفرائض والواجبات". انتهى.
وقال البغوي: "معناه أن المؤمن لا يبتلي بشيء من الذنوب إلا جعل الله له منه مخرجًا