فأما ابن القيم فإنه ذكر عنه أنه قال في كتابه (زاد المعاد): "الشرائع مبناها مصالح العباد (?) وعدم الحجر عليهم فيما لابد لهم منه ولا تتم مصالحهم في معاشهم إلا به".
وقال الفتان: "فتناول -رحمة الله- الضرورات أولاً في قوله فيما لا بد لهم منه، ثم تناول عليهم فيما لا بد لهم منه ولا تتم مصالحهم في معاشهم إلا به".
والجواب: أن يقال: ليس في كلام ابن القيم ما يتعلق به الفتان فيما هو مفتون به من تجويز ربا النسيئة للضرورة وتجويز ربا الفضل للحاجة؛ لأن كلام ابن القيم لم يكن في مسائل الربا وإنما هو في بيع المقاثئ والمباطخ إذا بدا صلاحها، وعلى هذا فإدخال مسائل الربا في هذه المسألة خطأ وتمويه وتلبيس على الجهال.
وسأذكر -إن شاء الله تعالى- كلام ابن القيم في مسألة بيع المقاثئ والمباطخ ليعلم المطلعون عليه أنه ليس فيه ما يتعلق به الفتان في إباحة الربا.
قال في الكلام على بيع المعدوم ما ملخصه:
"المعدوم ثلاثة أقسام: معدوم موصوف في الذمة: فهذا يجوز بيعه اتفاقًا، وهذا هو السلم، والثاني: معدوم تبع للموجود وهو نوعان، نوع متفق عليه ونوع مختلف فيه، فالمتفق عليه بيع الثمار بعد بُدُوِّ صلاح ثمرة واحدة منها، والنوع المختلف فيه كبيع المقاثئ والمباطخ إذا طابت فهذا فيه قولان، أحدهما: أنه يجوز بيعها جملة ويأخذها المشتري شيئا بعد شيء كما جرت به العادة ويجري مجرى بيع الثمرة بعد بدو صلاحها، وهذا هو الصحيح من القولين الذي استقر عليه عمل الأمة ولا غنى لهم عنه، ولم يأت بالمنع منه كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا أثر ولا قياس صحيح".
ثم ذكر قول الذين قالوا لا يباع إلا لقطة لقطة وردَّ عليهم وذكر أنه يتعذر العمل بقولهم غالبا، وإن أمكن ففي غاية العسر ويؤدي إلى التنازع والاختلاف الشديد، وما كان هكذا فإن الشريعة لا تأتي به، ولو ألزم الناس به لفسدت أموالهم وتعطلت مصالحهم ... إلى أن قال: "والشرائع مبناها على رعاية مصالح العباد وعدم الحجر عليهم فيما لابد له منه ولا تتم مصالحهم في معاشهم إلا به".
ثم ذكر القسم الثالث وهو المعدوم الذي لا يدري يحصل أولا يحصل، وذكر أن الشارع منع منه لكونه من الغرر. انتهى المقصود من كلامه، ومنه يعلم ما في كلام .......