ويقول ابن القيم -رحمه الله- عن ربا النسيئة: هو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية مثل أن يؤخر دينه ويزيده في المال وكلما أخره زاد في المال حتى تصير المائة عنده آلاف (?) مؤلفة، وفي الغالب لا يقبل ذلك (?) إلا معدوم (?) محتاج فيشتد ضرره وتعظم مصيبته ويعلوه الدين حتى يستغرق جميع موجوداته".
والجواب عن هذا من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: ما زعمه الفتان من أن الربا المجمع على تحريمه هو ربا النسيئة الذي كان في الجاهلية فهو خطأ محض، وحكايته الإجماع عليه كذب على العلماء؛ لأن هذا القول خلاف الإجماع الذي حكاه ابن المنذر وابن عبد البر والموفق وابن أبي عمر والنووي وغيرهم عن علماء الأمصار، فقد ذكر ابن المنذر عنهم: "أنهم أجمعوا على أنه لا يجوز بيع ذهب بذهب ولا فضة بفضة ولا بر ببر ولا شعير بشعير ولا تمر بتمر ولا ملح بملح متفاضلا يدا بيد ولا نسيئة وأن من فعل ذلك فقد أربى والبيع مفسوخ ... قال: وقد روينا هذا القول عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجماعة يكثر عددهم من التابعين". انتهى.
وقال ابن عبد البر: "لا أعلم خلافًا بين أئمة الأمصار بالحجاز والعراق وسائر الآفاق أن الدينار لا يجوز بيعه بالدينارين ولا بأكثر منه وزنا ولا الدرهم بالدرهمين ولا بشيء من الزيادة عليه". انتهى، وقال الموفق في المغنى: "أجمعت الأمة على أن الربا محرم قال: والربا على ضربين ربا الفضل وربا النسيئة، وأجمع أهل العلم على تحريمهما". انتهى. وذكر ابن أبي عمر في الشرح الكبير نحو ما ذكره الموفق.
وذكر النووي إجماع المسلمين على أنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه وأحدهما مؤجل وعلى أنه لا يجوز التفاضل إذا بيع بجنسه حالاً كالذهب بالذهب وعلى أنه لا يجوز التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه أو بغير جنسه مما يشاركه في العلة كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير، وعلى أنه يجوز التفاضل عند اختلاف الجنس إذا كان يدًا بيد كصاع حنطة بصاعي شعير. انتهى.