وفي التصريح بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص في بيع العرايا ولم يرخص في غير ذلك دليل على حصر المصلحة الراجحة في بيع العرايا وأن ما سوى ذلك من ربا الفضل فهو باقٍ على المنع والتحريم.
فصل
وقال الفتان: "أما الدليل على أن الربا يتخذ صورة التضعيف فهو ما أكده قول الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} وقد ورد في سبب نزولها: إنما كان الربا في الجاهلية في التضعيف وفي السن، يكون للرجل فضل دين فيأتيه إذا حل الأجل فيقول له تقضيني أو تزيدني، فإن كان عنده شيء يقضيه قضى وإلا حوَّله إلى السن التي فوق ذلك، إن كانت ابنة مخاض يجعلها ابنة لبون في السنة الثانية ثم حقة ثم جذعة ثم رباعيًا ثم هكذا إلى فوق، وفي العين يأتيه، فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده أضعفه أيضا، فتكون مائة فيجعلها إلى قابل مائتين، فإن لم يكن عنده جعلها أربعمائة، يضعفها له كل سنة أو يقضيه".
والجواب: أن يقال: أما ما ذكره الفتان من صفة الربا الذي كان يفعله أهل الجاهلية فهو من كلام زيد بن أسلم، رواه ابن جرير بإسناده عن ابن زيد وهو - عبد الرحمن - عن أبيه، وهذه الصفة لا تقتضي حصر الربا فيما كان يفعله أهل الجاهلية كما هو الظاهر من استدلال الفتان بالآية من سورة آل عمران على أن الربا يتخذ صورة التضعيف، وقد تقدم قريبا (?) قول سيد قطب إن الأضعاف المضاعفة وصف لواقع وليست شرطًا يتعلق به الحكم، قال: "والنص الذي في سورة البقرة قاطع في حرمة أصل الربا - بلا تحديد ولا تقييد {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} أيا كان". انتهى.
وتقدم أيضا في أثناء الكتاب قول الشيخ أحمد محمد شاكر في الكلام على قول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} الآية: "إن المتلاعبين بالدين من أهل عصره وأوليائهم من عابدي التشريع الوثني الأجنبي، بل التشريع اليهودي في الربا، يلعبون بالقرآن ويزعمون أن هذه الآية تدل على أن الربا المحرم هو ................