كان؛ لأنه لا قول لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل قول خالف قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو مردود على قائله، وقد تواترت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن ربا الفضل، وفي بعضها النهي عن ربا الفضل وربا النسيئة، وقد ذكرت منها قريبا من ثلاثين حديثا في أول الكتاب فلتراجع (?) ففيها أبلغ رد على الفتان الذي يحاول معارضة أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشبه والمغالطات وما يقتضبه من كلام العلماء ويضعه على غير مواضعه.
الوجه الثاني: أن يقال: إن الفتان قد اقتضب جُملا يسيرة من كلام سيد قطب وابن حجر الهيتمي وفخر الدين الرازي، وذكر أرقام مواضعها في كتبهم ليتكثر بالنقل عنهم ويوهم الجهال أن أقوالهم موافقة لرأيه واتجاهه في التهوين من شأن ربا الفضل وأن تحريمه تحريم وسائل من باب سد الذرائع لا تحريم مقاصد كما حرم ربا النسيئة، وما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة.
ولا يخفى على من له علم وبصيرة ما في فعل الفتان من التمويه على الجهال والتلبيس عليهم، وما فيه أيضا من البعد عن أداء الأمانة في النقل عن العلماء وذلك لأنه كان ينقل من كلامهم ما يظن أن فيه تأييدا لأقواله الباطلة، ويترك ما فيه ردا عليه فلا ينقله، وهذا شأن أهل البدع، قال عبد الرحمن بن مهدي: "أهل البدع ينقلون ما لهم ولا ينقلون ما عليهم، وأهل السنة ينقلون ما لهم وما عليهم".
وسأذكر كلام العلماء الذين نقل عنهم الفتان في هذا الموضع ما نقل ليتضح أنه ليس في كلامهم ما يؤيد أقواله الباطلة، وليعلم أيضا أنه لا أمانة له في النقل وقد قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: ما خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قال: «لا إيمان لمن لا أمانة له» رواه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه.
فأما سيد قطب فإن الفتان أورد قوله في تعريف ربا الفضل: "هو أن يبيع الرجل الشيء بالشيء من نوعه مع زيادة كبيع الذهب بالذهب والدراهم بالدراهم والقمح بالقمح والشعير بالشعير وهكذا". انتهى ما نقله من كلام قطب، ثم إنه ضم إليه زيادة من عنده وهي قوله: "فهو مُحرَّم أيضا ولكن تحريم وسائل من باب سد الذرائع لا تحريم مقاصد كما حرم ربا النسيئة، وما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة"، وهذه الزيادة ليست من كلام قطب، ومع هذا فقد وصلها الفتان بكلام قطب بدون فاصل يفصل بين كلامه وكلام قطب، وإنما فعل ذلك ليوهم الجهال أن الجميع كله من كلام ....................