البيان ومباني كتب الله عزّ وجلّ المنزلة باللغات المختلفة، وهي أصول كلام الأمم، بِهَا يتعارفون، وبها يذكرون الله جلّ ثناؤه. وَقَدْ أقسم الله جل ثناؤه فِي كتابه بالفجر والطور وغير ذلك، فكذلك شأنُ هَذِهِ الحروف فِي القسم بِهَا.

وقال قوم: هَذِهِ الأحرف من التسعة وعشرين حرفاً دارَتْ بِهَا الألْسِنة، فليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه جلّ وعزّ، وَلَيْسَ منها حرف إلا هو فِي آلائه وبلائه، وَلَيْسَ منها حرف إلا وهو فِي مدة أقوام وآجالهم: فالألف سنة واللام ثلاثون سنة والميم أربعون. رواه عبد الله بن جعفر الرازي عن أبيه عن الرّبيع بن أنس وهو قول حَسَنٌ لطيف، لأنّ الله جلّ ثناؤه أنزل عَلَى نبيه محمد -صلى الله عَلَيْهِ وسلم- الفرقان فلم يدع نظماً عجيباً ولا علماً نافعاً إلا أودعه إيَّاهُ، عَلِم ذَلِكَ من عَلمَهُ وَجهِلهُ مَن جَهِلهُ. فليس مُنْكراً أن ينزل الله جلّ ثناؤه هَذِهِ الحروف مشتملة -مع إيجازها- عَلَى مَا قاله هؤلاء.

وقولٌ رُوِي عن ابن عباس فِي {ألم} 1: "أنا الله أعلم". وَفِي {ألمص} 2: "أنا الله أعلم وأفصل". وهذا وجه يقرب مما مضى ذكره من دَلالة الحرف الواحد عَلَى الاسم التامّ والصفة التامّة.

وقال قوم: هي أسماء للسُّور فـ {ألم} اسم لهذه و {حم} 3 اسم لغيرها. وهذا يُؤثَرُ عن جماعة من أهل العلم، وذلك أن الأسماء وضِعَت للتمييز، فكذلك هَذِهِ الحروف فِي أوائل السُّوَر موضوعة لتمييز تِلْكَ السُّور من غيرها.

فإن قال قائل: فقد رأينا {ألم} افتتح بِهَا غير سورة، فأين التمييز? قلنا: قَدْ يقع الوفاق بَيْنَ اسمين لشخصين، ثُمَّ يميز مَا يجيء بعد ذَلِكَ من صفة ونعت كما قيل "زيد وزيد" ثُمَّ يميزان بأن يقال: "زيد الفقيهُ" و"زيد العربيُّ" فكذلك إذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015