خطأ. فلما عُبّرَ عن هَذَا بهذا علم أن المعنى واحد.
قالوا: وإِنما يأتي الشعر بالاسمين المختلفين للمعنى الواحد فِي مكان واحد تأكيداً ومبالغة. كقولهم1:
وهند أتى من دونها النأيُ والبُعدُ
فقالوا: فالنأي هو البعد قالوا: وكذلك قول الآخر: إِن الحبس هو الأصْرُ.
ونحن نقول: إِن فِي قعد معنىً ليس فِي جلس. ألا ترى أَنَّا نقول "قام ثُمَّ قعد" و"أخَذَهُ المقِيمُ والمقْعِدَ" و"قَعَدَتِ المرأة عن الحيض". ونقول لناس من الخوارج "قَعَدٌ" ثُمَّ نقول: "كَانَ مضطجعاً فجلس" فيكون القعود عن قيام والجلوس عن حالة هي دون الجلوس لأن "الجَلْسَ: المرتفع" فالجلوس ارتفاع عما هو دونه. وَعَلَى هَذَا يجري الباب كلُّه.
وأما قولهم: إِن المعنيين لو اختلفا لما جاز أن يُعَبَّر عن الشيء بالشيء. فإنا نقول: إنّما عُبّر عنه من طريق المشاكلة، ولسنا نقول إِن اللفظتين مختلفتان، فيلزمنا مَا قالوه. وإنما نقول إِن فِي كلّ واحدة منهما معنىً لَيْسَ فِي الأخرى.
ومن سُنَن العرب فِي الأَسماء أن يسمّوا المتضادَّين باسم واحد. نحو"الجَوْن" للأسود و"الجَوْن" للأبيض. وأنكر ناس هَذَا المذهب وأن العرب تأتي باسم واحد لشيء وضدّه. وهذا لَيْسَ بشيء. وذلك أن الَّذِين رَوَوْا أن العرب تُسمي السيف مهنَّداً والفَرَسَ طِرْفاً هم الَّذِين رَوَوْا أن العرب تُسمِّي المتضادَّين باسم واحد. وَقَدْ جرَّدنا فِي هَذَا كتاباً ذكرنا فِيهِ مَا احتجوا به، وذكرنا ردَّ ذَلِكَ ونقصه، فلذلك لَمْ نكرره.
من ذَلِكَ "المائدة" لا يقال لَهَا مائدة حَتَّى يكون عَلَيْهَا الطعام لأن المائدة من "مَادني يميدُني" إِذَا أعطاك. وإلاَّ فاسمها "خِوَان".
وكذلك "الكأس" لا تكون كأساً حَتَّى يكون فِيهَا شراب. وإلا فهو "قدح" أَوْ "كوب".