عَلَى القاضي قوله جلّ ثناؤه: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} 1 فأمسكَ القاضي عن الحجر عَلَى الكَهْلِ.
وكذلك إِذَا قال: "مَا لي لِذَوي الحسب" أَوْ"امنعوه السَّفِلَة" وَمَا أشبه هَذَا مما يطول الباب بذكره فلا وَجْهَ فِي شيء من هَذَا غير التقريب والاحتمال، وَعَلَى اجتهاد الموصى إِلَيْهِ أَوْ الحاكم فِيهِ. وإلا فإنَّ تحديدَه حَتَّى لا يجوز غيره بعيدٌ.
وَقَدْ كَانَ لذلك كله ناس يعرفونه. وكذلك يعلمون معنى مَا نستغربه اليوم نحن من قولنا2: "عُبْسُور" فِي الناقة: "وعَيْسَجور" و"امرأة ضِنانِّي" و"فرس أشَقُّ أمقُّ خِبَقٌ" ذهب هَذَا كله بذهاب أهله وَلَمْ يبق عندنا إِلاَّ الرسم الذي نراه.
وعلماء هَذِهِ الشريعة -وإن كانوا اقتصروا من علم هَذَا عَلَى معرفة رَسْمه دون علم حقائقه- فقد اعتاضوا عنه دقيقَ الكلام فِي أصول الدين وفروعه من الفقه والفرائض. ومن دقيق النحو وجليله. ومن علم العروض الَّذِي يربي بحسنه ودقته واستقامته عَلَى كل مَا يبجح بِهِ الناسبون أنفسهم إِلَى الَّتِي يقال لَهَا: الفلسفة. ولكل زمان علم، وأشرف العلوم علم زماننا هَذَا والحمد لله.