بعضاً اتِّقَاءً للخروج عن عادة العامة فلا يَعيبُ ذَلِكَ من يُنْصِفِهم من الخاصة، وإنّما العيب عَلَى من غلِط من جهة اللغة فيما يغير بِهِ حكَم الشريعة والله المستعان.
فلذلك قلنا: إنّ علم اللغة كالواجب عَلَى أهل العلم، لئلاَّ يحيدوا فِي تأليفهم أَوْ فتياهم عن سَنن الاستواء.
وكذلك الحاجة إِلَى علم العربية، فإن الإعراب هو الفارق بَيْنَ المعاني. ألا ترى أن القائل إِذَا قال: "مَا أحسن زيد" لَمْ يفرّق بَيْنَ التعجب والاستفهام والذمّ إِلاَّ بالأعراب. وكذلك إِذَا قال: "ضرب أخوك أخانا" و"وَجْهُك وجهُ حُرّ" و"وجهُك وجهٌ حرٌ" وَمَا أشْبَه ذَلِكَ من الكلام المشْتَبه.
هَذَا وَقَدْ روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أعْرِبوا القرآن". وَقَدْ كَانَ الناس قديماً يجتنبون اللحن1 فيما يكتبونه أَوْ يقرءونه اجتنابَهم بعضَ الذنوب. فأما الآن فقد تجوزا حَتَّى أن المحدّث يحدث فليحن. والفقيه يؤلف فيلحن. فإذا نُبها قالا: مَا ندري مَا الإعراب وإنما نحن محدّثون وفقهاء. فهما يسران بما يُساء بِهِ اللبيب.
ولقد كلمت بعض من يذهبُ بنفسه ويراها من فقه الشافعي بالرتبة العُليا فِي القياس، فقلت لَهُ: مَا حقيقة القياس ومعناه، ومن أي شيء هو? فقال: لَيْسَ عليَّ هَذَا وإنما علي إقامة الدَّليل عَلَى صحته.
فقل الآن في رجل يروم إقامة الدليل على صحة شيء لا يعرف معناه، ولا يدري ما هو. ونعوذ بالله من سوء الاختيار.