يعرف بحور الشعر?
وَقَدْ زعم ناس أنّ علوماً كَانَتْ فِي القرون الأوائل والزمن المتقادم، وأنها دَرسَت وجُدّدت منذ زمان قريب، وترجمت وأصلحت منقولة من لغة إِلَى لغة. وليس مَا قالوا ببعيد، وإن كَانَتْ تِلْكَ العلوم بحمد الله وحسن توفيقه مرفوضة عندنا.
فإن قال: فقد سمعناكم تقولون: إن العرب فعلت كذا وَلَمْ تفعل كذا، مِن أنها لا تجمع بَيْنَ ساكنين، ولا تبتدئ بساكن، ولا تقف عَلَى متحرك، وأنها تسمي الشخص الواحد الأسماء الكثيرة، وتجمع الأشياء الكثيرة تَحْتَ الاسم الواحد، قلنا: نحن نقول إن العرب تفعل كذا بعدما وطأناه أن ذَلِكَ توقيف حَتَّى ينتهي الأمر إِلَى الموقّف الأول.
ومن الدليل عَلَى عرفان القدماء من الصحابة وغيرهم بالعربية كتابتهم المصحف عَلَى الَّذِي يعلله النحويُّون فِي ذوات الواو والياء والهمز والمدّ والقصر فكتبوا ذوات الياء بالياء وذوات الواو بالواو وَلَمْ يصوّروا الهمزة إذَا كَانَ مَا قبلها ساكناً فِي مثل "الخبء" و"الدفء" و"الملء" فصار ذَلِكَ كلّه حجة، وحتى كَرِهَ من العلماء تركَ اتباع المصحف من كَرِهَ.
فحدثني عبد الرحمن بن حمدان عن محمد بن الجهم السّمرَّيّ عن الفرَّاء1 قال: "اتباعُ المصحف -إذَا وجدت لَهُ وجهاً من كلام العرب- وقراءةُ القراء أحبّ إليَّ من خلافه" قال: وَقَدْ كَانَ أبو عمرو بن العلاء2 يقرأ: "إِنْ هَذَينِ لَسَاحِرَانِ"3 ولست أجترئ عَلَى ذَلِكَ. وقرأ: "فَأَصَّدَّقَ وَأَكُون"4 فزاد واواً فِي الكتاب وَلَمْ أستحبّ ذَلِكَ.
والذي قاله الفرّاء حَسَن، وما بحسن قول ابن قتيبة5 فِي أحرُف ذكرها، وَقَدْ خالف الكُتَّابُ المصحفُ فِي هَذَا.