وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا هذا الإجماع العجيب على الصديق رضي الله عنه وأرضاه؟ يبدو والله! أننا مهما قلنا ومهما شرحنا ومهما ذكرنا من مواقف وأحداث فإننا لن نوفي هذا الرجل حقه، فنحن لو كنا نقارنه بأناس عاديين لكان يسيراً أن نفقه هذا الاجتماع من الصحابة على صعوبة هذا الاجتماع، لكنه رضي الله عنه يقارن برجال أعلام أفذاذ عباقرة لم يوجد في التاريخ جيل مثلهم، فكل رجل منهم أمة، وخذ كتب السيرة والتاريخ واقرأ، اقرأ -مثلاً- حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وما فعله للإسلام والمسلمين منذ أسلم وحتى مات، اقرأ عن علمه وعدله وفقهه وورعه وتقواه.
واقرأ -مثلاً- عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وما قدمه في حياة طويلة، واقرأ عن كرمه وعن زهده وعن أخلاقه.
واقرأ -مثلاً- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وعن تاريخه المجيد، وفضله العظيم، وكلامه الحكيم، واقرأ عن قوته وحكمته وحلمه وشجاعته، وذكائه.
واقرأ عن غيرهم من الصحابة، اقرأ عن الزبير وعن طلحة وعن أبي عبيدة وعن سعيد بن زيد وعن عبد الرحمن بن عوف وعن سعد بن أبي وقاص، فكل اسم من هؤلاء ستجد له ذكريات كثيرة من الإيمان والجهاد والبذل والمروءة.
واقرأ عن حمزة وعن مصعب وعن سلمان وعن حذيفة وعن صهيب وعن بلال وعن خالد اقرأ عنهم وعن عشرات معهم، وعن مئات معهم، بل وعن آلاف معهم، واقرأ عن عظماء وعلماء المسلمين في كل عصر وفي كل مكان، اقرأ عنهم جميعاً، واعلم أن كل من سبق ذكره لو جمعوا في كفة والصديق في كفة لرجح بهم الصديق، فأي فضل؟ وأي قدر؟ وأي عظمة؟ وأي مكانة؟ روى الإمام أحمد رحمه الله بسند صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال: رأيت قبيل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين، فأما المقاليد فهذه المفاتيح، وأما الموازين فهي التي توزنون بها، فوضعت في كفة ووضعت أمتي في كفة فوزنت بهم فرجحت، ثم جيء بـ أبي بكر فوزن بهم فوزن، ثم جيء بـ عمر فوزن فوزن، ثم جيء بـ عثمان فوزن بهم، ثم رفعت) أي: رفعت الموازين.
ويبدو أيضاً أننا لا نعطي القدر الكافي لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ولـ عثمان رضي الله عنه وأرضاه، ونسأل الله عز وجل أن ييسر لنا الحديث عنهم بشيء من التفصيل لاحقاً إن شاء الله رب العالمين.
لكن نعود إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهناك أحاديث كثيرة جداً تذكر فضل الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وهي أكثر من أن تحصر في هذه الدقائق القليلة، وحتى لا أبخسه حقه أتحدث عنها في الدرس القادم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.