وكما رأينا سبقه رضي الله عنه وأرضاه في الإسلام والإيمان والدعوة وغير ذلك فإننا أيضاً نرى بوضوح سبقه رضي الله عنه وأرضاه في كل أعمال الخير.
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة والبيهقي عن أنس بن مالك والبزار عن عبد الرحمن بن أبي بكر حديثاً يوضح لنا مثالاً لمسارعة الصديق رضي الله عنه إلى الخير.
ونذكر رواية البزار؛ لأن فيها توضيحاً أكثر للموقف: يقول عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم أقبل على أصحابه بوجهه فقال: من أصبح منكم اليوم صائماً؟ فقال عمر: يا رسول الله! لم أحدث نفسي بالصوم البارحة، فأصبحت مفطراً، فقال أبو بكر: ولكني حدثت نفسي بالصوم البارحة فأصبحت صائماً) وطبعاً هذا تفتيش مفاجئ من رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة.
ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (هل أحد منكم اليوم عاد مريضاً؟ فقال عمر: يا رسول الله، لم نبرح فكيف نعود المريض؟ فقال أبو بكر: بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاك فجعلت طريقي عليه لأنظر كيف أصبح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ فقال عمر: صلينا يا رسول الله! ثم لم نبرح، فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا بسائل فوجدت كسرة من خبز الشعير في يد عبد الرحمن فأخذتها ودفعتها إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت فأبشر بالجنة) ثم قال كلمة أرضى بها عمر رضي الله عنه.
بل إن في رواية أبي هريرة في صحيح مسلم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق هذا فيقول: (فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ فقال أبو بكر: أنا) وفي نهاية الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم: (ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة).
وحقاً والله! إنه من العسير أن تحصي مواقف السبق في حياة الصديق رضي الله عنه.
فالسبق في حياته يشمل كل حياته، يلخص هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه في الحديث الذي أختم به حديثي هذا، الحديث رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
يقول عمر: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، قلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً) وواضح من هذا أن الصديق كان يسبق عمر بن الخطاب في كل الأفعال، قال: (فجئت بنصف مالي)، وهذا عطاء ضخم جداً، فواحد معه عشرة آلاف جنيه مثلاً وأخرج منها خمسة آلاف جنيه للدعوة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستكثر هذه الصدقة: (ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده)، سبحان الله! أتى أبو بكر بكل ماله الذي في البيت، أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أبا بكر! ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقال عمر بن الخطاب: لا أسبقه في شيء أبداً) هكذا يقول: لسان مقاله: إنه لا يسبق الصديق رضي الله عنه، وعن عمر وعن الصحابة أجمعين.
وصل وسلم وبارك على الذي علمهم وأرشدهم ودلهم على كل خير صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.