وبعد هذه الخطبة الجليلة وهذه المبايعة المباركة ستبدأ فترة جديدة في تاريخ الأمة الإسلامية، ستبدأ فترة عظيمة بكل ما تحمله الكلمة من معاني، ستبدأ حياة قصيرة جداً في أيامها طويلة جداً في أعمالها، ستبدأ فترة خلافة الصديق رضي الله عنه وأرضاه، والمدة الزمنية لهذه الفترة هي سنتان وثلاثة شهور فقط، أما الأعمال فلا تكفي القرون لأدائها.
وطبعاً في هذه المجموعة التي نتحدث فيها الآن من المستحيل أن نشرح كل هذه الأحداث، وقد كان الغرض من هذه المجموعة هو التعريف بـ الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وبيان مكانته وقدره في المنظور الإسلامي، وكان الغرض منها أيضاً هو شرح ما حدث في سقيفة بني ساعدة وما دار حولها من أحداث، وما ورد على ألسنة المستشرقين والشيعة من شبهات، وكيف يكون الرد عليهم، ولم نتعرض في هذه المجموعة لمعظم الأحداث التي تمت في خلافة الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وليس هذا بالطبع تقليلاً لها ولكن فقط لضيق الوقت، وقد اتفقت مع الإخوة الأفاضل أن ينظموا عدة لقاءات أخرى لشرح ما تم في عهد الصديق رضي الله عنه وأرضاه من أحداث، وقد اتفقنا على جعل ذلك مقسّماً في ثلاث مجموعات من المحاضرات: المجموعة الأولى سنتحدث فيها عن حروب الردة، وسنحاول في هذه المجموعة أن نجيب على التساؤلات الآتية وغيرها إن شاء الله رب العالمين: لماذا ارتدت جزيرة العرب بكاملها إلا ثلاث مدن وقرية؟ وما هي الدوافع وراء هذا الارتداد المهول؟ ولماذا اشتهر بيننا أن الردة كانت فقط بمنع الزكاة مع أن مانعي الزكاة كانوا قلة في المرتدين؟ وهل كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه مخالفاً للشورى عندما قرر الحرب ضد المرتدين ولم ينزل على رغبة عموم الصحابة؟ وإن كان مخالفاً فكيف يخالف؟ وإن لم يكن كذلك فما هو التفسير الصحيح لموقفه؟ ولماذا أخرج الصديق 11 جيشاً إسلامياً في وقت متزامن لحرب المرتدين؟ وهل كانت الحكمة تستلزم ذلك، أم كان من الأفضل أن يُخرج جيشاً قوياً واحداً لحرب فريق من المرتدين، فإذا انتهى منه توجه إلى غيره؟ ومن هم القادة الذين اختارهم الصديق لقيادة هذه الجيوش العديدة؟ وما هو موقف خالد بن الوليد من مالك بن نويرة التميمي ومن زوجته؟ وما هي الشبهات التي أُثيرت حول هذا الموقف؟ وما هو الرد عليها؟ وكيف بدأ طليحة بن خويلد حياته مدعياً للنبوة ثم انتهى شهيداً في سبيل الله؟ ومن هو مسيلمة الكذاب؟ وكيف تبعه الناس مع سفاهة كلامه؟ ومن هو الصحابي الذي ارتد وارتد بردته أربعون ألفاً؟ ومن هي سجاح المرأة التي ادعت النبوة؟ وكيف سار وراءها مائة ألف رجل؟ وكيف هُزمت دون قتال؟ وما هو المهر الذي عُرض عليها من مسيلمة ليتزوجها ووصف بأنه أسوأ مهر في التاريخ؟ وما سر هزيمة الجيش الإسلامي الثاني والثالث؟ وكيف انتصر الجيش الإسلامي الأول في معاركه كلها؟ وكيف قُلبت هزيمة الجيش الثاني والثالث إلى انتصار؟ وكيف انتصر الجيش السابع بالدعاء؟ وكيف ثبتت مكة على الإسلام بعد أن كانت على حافة الردة؟ ولماذا لم ترتد القبائل في شمال الجزيرة العربية مع قوتها ورغبتها في الارتداد؟ وما هي دلائل النبوة في ثبات هذه القبائل؟ ومن هو الأسود العنسي؟ وكيف قتل في اليمن؟ وكيف وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في ساعة قتله والمسافة بين المدينة واليمن تزيد عن 1000 كيلو متر؟ وما هي تفاصيل أشرس موقعة في التاريخ الإسلامي موقعة اليمامة؟ وكيف حارب رجل مسلم بمفرده أربعين ألف مرتد؟ ومن هو الفجاءة؟ ولماذا أمر الصديق بحرقه حياً؟ وكيف انتصر الجيش الثامن على مرتدي عمان مع كثرتهم؟ وما هي الحيلة الذكية التي قام بها الجيش التاسع لقمع الردة في حضرموت؟ وكيف أدار الصديق حروب الردة بعبقرية السياسي وبأخلاق الداعية؟ وأخيراً كيف خرجت الأمة الإسلامية من هذه الحروب الضارية أشد قوة وأقوى بأساً وأثبت قدماً؟ وكيف وضعت الأمة الإسلامية أقدامها على أول طريق المجد؟ وكيف ظهر المسلمون كقوة عالمية جديدة لا يثبت أمامها أحد؟ هذه التساؤلات وغيرها سنرد عليها -إن شاء الله- في المجموعة القادمة.
المجموعة الثانية من المحاضرات الخاصة بخلافة الصديق رضي الله عنه ستتحدث عن بدء الفتح الإسلامي لدولة فارس الكبرى.
وسنتحدث فيها -إن شاء الله- عن العمليات العسكرية الفذة للقائد الإسلامي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه، والتي نتج عنها فتح العراق بكامله تقريباً في عام واحد فقط، وسنتحدث فيها عن تفاصيل كل موقعة من المواقع الخمس عشرة التي قادها سيف الله المسلول خالد بن الوليد والذي لم يُهزم في واحدة منها.
وسنذكر ما هي الخطة العبقرية التي خطها الصديق