وهذه شبهة جديدة قالوها في هذا المضمار أيضاً، قالوا: لقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بصورة براءة، ليقرأها على الناس في الحج، ويقطع بها عهود المسلمين معهم، وفي ذلك -كما زعموا- إشارة إلى استخلاف علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ومن المعروف أن أمير الحج في هذا الموسم كان أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فقالوا: لو لم يكن يقصد أن يستخلف علياً لجعل أبا بكر هو الذي يقطع العهود.
وسبحان الله! ما أسخف هذه الشبهة! وما أتفهها! أولاً: نزلت سورة براءة بعد خروج أبي بكر بوفد الحج، وكان أبو بكر هو الأمير، فلما نزلت السورة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من رجاله لم يكن في الحج وهو علي بن أبي طالب، أرسله بالسورة حتى يصل بها إلى الناس المجتمعة في الحج.
ثانياً: من عادة العرب أن الذي ينقض عهد رجل لابد أن يكون من قبيلته، فلكي يقطع عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لابد أن يكون القاطع لهذا العهد من قبيلته، وهو علي بن أبي طالب.
والحديث هنا في موسم الحج ليس للمسلمين فقط؛ حتى يكلف الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر ولا ينظر إلى تقاليد العرب في نقض العهود، بل إن الحديث المقصود موجه إلى المشركين في الأساس، ولابد أن يصله إليهم بالصورة التي يقبلونها دون جدال ولا نقاش.
ثالثاً: لقد تعلق المغرضون بإشارة خفية في إرسال علي بن أبي طالب وأغفلوا أمراً جلياً واضحاً في ذات القصة، وهو أن علي بن أبي طالب لما جاء إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه في مكة قال له أبو بكر الصديق: أمير أم مأمور؟ فقال علي بن أبي طالب: بل مأمور.
فكيف يعتقدون في استخلاف المأمور علي بن أبي طالب ويتركون الأمير أبا بكر الذي يعلم الناس أمور حجهم، والذي يقود الجميع بما فيهم علي بن أبي طالب نفسه؟!! فمن الواضح أن هذه القصة حجة عليهم لا لهم، ولكن: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46].