نحن في هذا الدرس سنخصصه بكامله لعرض الشبهات وللرد عليها، ونبتدئ بسؤال هام: إذا لم يكن الصديق رضي الله عنه فمن غيره يكون خليفة للمسلمين؟ وهذا السؤال ليس مجرد طرح نظري لأسماء أخرى، بل هذا سؤال لأن هناك طوائف مختلفة من المتشككين في خلافة الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فقد طرحت أسماء أخرى للطعن في خلافة الصديق رضي الله عنه، ولتشويه الصورة الجميلة للجيل الأول، ولأهداف أخرى كثيرة.
وكثير من المستشرقين فعل ذلك، وسار على نهجهم بعض المستغربين من أبناء المسلمين، وكثير من طوائف الشيعة أيضاً فعلت ذلك، ولم يطعنوا في خلافة الصديق فقط، بل طعنوا أيضاً في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، وتكاد تنحصر الأسماء المرشحة في شخصين: الأول هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، والثاني: هو سعد بن عبادة رضي الله عنه، وقد يفكر البعض في عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أما سعد بن عبادة رضي الله عنه زعيم الخزرج فقد تحدثنا عن تفصيلات موقفه، ولماذا كان مرشحاً للخلافة، وكيف نزل الأنصار عن رأيهم بترشيحه، وعادوا بعد ذلك إلى ترشيح أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكيف بايعوا جميعاً بما فيهم سعد بن عبادة رضي الله عنه.
أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم يطرح اسمه حقيقة من أحد، اللهم إلا من أبي بكر الصديق نفسه يوم السقيفة لما رشحه للخلافة، حيث قال: أنت أقوى مني.
فقال عمر: قوتي مع فضلك، والجميع يعلم أن أبا بكر مقدم على عمر، وعمر نفسه كان يقول: والله! لئن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر.
كما أن الشدة المعروفة عند عمر رضي الله عنه وأرضاه لم تكن مناسبة للأمة وهي خارجة من المصيبة الكبيرة وهي وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: يبقى اسم واحد هو محل كلام ونقاش وجدال، وهو البطل الإسلامي العظيم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.
هذا الصحابي الجليل أشاع كثير من الشيعة أنه كان أحق بالخلافة من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، والمستشرقون أعجبتهم الفكرة وذكروها في كتبهم على أساس أن الخلافة حق منهوب من علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وهذا الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ظهر في أواخر أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه عند اتساع رقعة الإسلام، ودخول الكثير من المغرضين في دين الله، وبدايات الفتنة، ومحاولات هؤلاء المغرضين هدم الإسلام من جذوره وأصوله، حيث دخل في دين الله عز وجل كثير من اليهود والمجوس الذين أرادوا أن يقسموا الدولة الإسلامية إلى طائفتين متناحرتين، ومن الناحية الثانية أرادوا أن يطعنوا في رموز الصحابة جميعاً.
وقد يكون عبد الله بن سبأ اليهودي هو أول من أشاع بين الناس فكرة التشيع لـ علي بن أبي طالب وأنه أولى بالخلافة، وليس من عثمان فقط، بل ومن أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين، وكان لـ عبد الله بن سبأ أعوان من قبائل شتى كلها كانت تنقم على الإسلام لأسباب مختلفة، وكثير منهم من أرض فارس من الأقوام الذين أكل الحقد قلوبهم لانهيار دولتهم على أيدي المسلمين، وكان يقود المسلمين أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما، وما زالت إلى الآن هذه المغالاة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وأكثر طوائف الشيعة اعتدالاً ترى شرعية خلافة الصديق وعمر على سبيل جواز إمامة المفضول للفاضل، أي: أنهم يزعمون أن علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان، لكن يجوز أن يتولى الخلافة الأقل فضلاً في رأيهم.
هذا الفكر المتشيع لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه لا يقتصر على طوائف الشيعة فقط، بل كما ذكرنا أعجبت الفكرة المستشرقون فذكروها في كتبهم، وأفردوا لها البحوث والتحليلات، وانتقل هذا الفكر إلى طائفة من المسلمين المحسوبين على أهل السنة المتعلمين على أيدي هؤلاء الغربيين، وقد قرأت في هذا الموضوع كتابات يقشعر منها البدن، ويكاد المرء يصاب بالغثيان من أولئك الذين يطعنون في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصورة، وما زال هذا الفكر يدرس إلى الآن في جامعات إسلامية وغربية كثيرة.
وهنا سؤال يأتي على الذهن: لماذا اختار عبد الله بن سبأ اليهودي أو غيره ممن ابتدع هذه الفكرة علي بن أبي طالب رضي الله