هذه الآيات من أبلغ الرد على المشركين الذين يدعون من لا ينفعونهم ولا يضر ونهم وينسون ربهم رب العالمين الذي يرجع إليه الأمر كله، وهى أيضا من أبلغ الرد على هؤلاء الطائفين بالقبور السائلين الأموات، وقد نوع الرد فيها وبولغ فيه، فقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} صريح في أنهم كانوا يدعون أناسا مثلهم بشرا، أما إنهم أنبياء أو ملائكة أو صالحون فهذا من أبلع الرد على الذين يحتجون على جواز الاستغاثة بغير الله ودعاء الموتى، ويقولون إن المشركين السابقين كانوا يدعون أصناما أو أشجارا، أما نحن فندعو الأنبياء أو الأولياء الصالحين أو الملائكة المقربين وهؤلاء لهم مكانتهم عند الله.

فتأمل أيها القارئ هذه الآية الشريفة كيف قطعت عليهم شبههم وأبانت قلة عقلهم وسقيم رأيهم، فالآية تقول عباد أمثالكم ليسوا جمادا ولا أصناما ولا أحجارا ولا أشجارا ولا يخفى ما في الآية من التهكم والرد على القوم والزراية بهم وبعقولهم، فإن العاقل لا يمكن أن يدعو من هو مثله في القدرة وفي الحول والطول ليهبه ما يرجو ولينيله ما يعجز عنه هو، وإنما يدعو العاقل من هو أقدر منه ومن هو أعظم حولا وطولا وسلطة وسلطانا، وذلك لأن الداعي والمدعو لا يصح أن يستويا وأن يكونا مثلين لأنهما إذا كانا كذلك فليس دعاء أحدهما للثاني أولى من العكس.

وقوله: {فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} غاية في التحدي والتعجيز لدعاة غير الله من البشر وغير البشر، غاية الإنصاف في الجدل والخصام، وبيان هذا أن الله أولا قال لدعاة غيره: إنكم غالطون ضالون إن دعوتم سواي عبادا مثلكم من كل وجه، عاجزين من نفعكم كما عجزتم أنتم عن نفعهم، محتاجين إلى غيرهم كما احتجتم أنتم إلى غير كم، لأنكم أنتم وهم سواء، وانظروا إلى حقيقتكم وحقيقتهم تجدوا الأمر واضحا، فإن لم يقنعكم هذا البرهان الملموس المحسوس، وأصررتم على أنهم قادرون على إجابة دعائكم فدعوتموهم، فتعالوا إلى أمر أجزم وأقطع وأبين: تعالوا إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015