- وهو ممن شافه العلماء وزاحمهم بالركب في الحلق، وأطلع على مجمل الأحكام الشرعية، فهو لم يقرأ نتفاً بل درس العلوم الشرعية دراسة شاملة عامة، فمر على مسائل العلم واستطاع تخريجها على أصولها وأصبحت لديه ملكه فهم النصوص وعرف مقاصد الشريعة وأهدافها العامة، فعلمه لم يأته من قراءة ليلة، بل من سهر الليالي ومعاناة الأيام وديمومة طلب العلم وتعلمه من المحبرة إلى المقبرة.
- لقد عاصر الشيخ عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب ونهاية الدولة الأيوبية وقيام دولة المماليك، فترك لنا آثاراً كبيرة في الشأن العام والسياسة الشرعية وفقه المصالح والمفاسد، والتصدي للغزاة، لقد تحدثت في هذا الكتاب عن سيرته ونشأته وشيوخه في طلب العلم وتلاميذه ومؤلفاته وسمات التأليف عنده، وأعماله في التدريس والإفتاء والقضاء والورع والتقوى و البلاغة والفصاحة، وأهم محاور التجديد عنده، كسعيه لتقنين أصول الفقه، ومجالات التربية والأدب والتصوف وإبداعاته الجميلة فيها وجهاده ثم وفاته وثناء العلماء عليه قديماً وحديثاً.
إن العز بن عبد السلام مدرسة شامخة في فهم مقاصد الشريعة، وفقه المصالح والمفاسد وفك الاشتباك بين السياسة الشرعية والعقائد، فقد ساهم في نهضة الأمة فقهياً وفكرياً، وجهادياً وسياسياً، وأخلاقياً، فاستحق أن نسجله بماء الذهب على صفحات الزمن في سلسلة فقهاء النهوض.