ش- تغيير الأحكام بتغير الزمان: يمزج العز رحمه الله تعالى في الأحكام التي تؤدي إلى التطور فإنه يعتد به في تغيير الأحكام بتغير الأزمان، فيقول: فلو حكم الحاكم في محل يسوع فيه الاجتهاد، ثم تغير اجتهاده فحكم بما أدى إليه اجتهاده ثانياً كان ذلك قطعا لما حكم به أولا، ولا يبطل الأول بذلك، بل ينقطع من حين تغير الاجتهاد، ويبقى الأول على ما كان عليه (?). فالحكم الشرعي يتغير في نفس المجتهد ويشمل السابقة واللاحقة ولكن لا يبطل الحكم الأول إذا أفتى به المفتي أو حكم به القاضي بل يبقى الحكم الأول لوقته فقط، وللسائل أو المحكوم عليه به، لأن الاجتهاد لا ينقض بمثله، وهذا ما قرَّره عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ميراث المسألة المشتركة بعدما تغير اجتهاده، وطلب أصحاب القضية الأولى بنقض اجتهاده السابق، أجابهم بقوله المشهور: تلك على ما قضينا، وهذه على ما نقضي، وهذا ما قرره الفقهاء في المذاهب الأربعة بعدم نقض الحكم السابق إذا كان مبنياً على اجتهاد، ثم تغير الاجتهاد، وهو المقرر في جميع محاكم النقض في العالم (?).

وهكذا نلاحظ المبادئ التربوية في فكر العز وذهنه وكتبه وكيف يراعى الفطرة الإنسانية، ويعتد بالوازع الفطري، وأنه أصيل في الإنسان، وله بواعثه الذاتية، ودوافعه الخفية التي تحرك صاحبها تلقائياً في معظم الحالات، لذلك يخفف الشرع من توجيهه فيها، معتبراً أن الوازع الفطري المطبوع عليه الإنسان داخلياً أقوى من الوازع الشرعي، لذلك اعتبر الشرع الحكيم تناول الطعام والشراب والشبع وغيرها مجرد أحكام مباحة أو مندوبة، مع أنها ضرورية للحياة، لأن الوازع الفطري كفيل بتأمينها ورعايتها، وهذا ما أكده الشاطبي فيما بعد في كتابه الموافقات (?).

ك- إنسانية الإنسان عند العز بن عبد السلام:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015