وكأني أراه من خلف السنين وهو قائم يصلي لله رب العالمين في وديان وجبال وكهوف الجبل الأخضر وقد التف بجرده الابيض في ظلمة الليل البهيم وهو يتلو كتاب الله بصوت حزين، وتنحدر الدموع على خدوده من خشية العزيز الرحيم.
قال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور} (سورة فاطر، الآية ... ).
لقد وصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابا ذر بذلك فقال: (عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء) وقد حذر الرسول الكريم من هجر القرآن فقال: (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِبْ) (?).
قال الشاعر:
قم في الدجى واتل الكتاب ... ولا تنم إلا كنومة حائر ولهان
فلربما تأتي المنية بغتة ... فتساق من فرش الى الاكفان
ياحبذا عينان في غسق الدجى ... من خشية الرحمن باكيتان
اعرض عن الدنيا الدنيئة زاهداً ... فالزهد عند أولى النهى زهدان
زهد عن الدنيا وزهد في الثناء ... طوبى لمن أمسى له الزهدان (?)
إن من اسباب الثبات التي تميز به عمر المختار حتى اللحظات الأخيرة من حياته إدمانه على تلاوة القرآن الكريم والتعبد به وتنفيذ أحكامه، لأن القرآن الكريم مصدر تثبيت وهداية وذلك لما فيه من قصص الأنبياء مع أقوامهم، ولما فيه من ذكر مآل الصالحين، ومصير الكافرين والجاحدين وأوليائه بأساليب متعددة (?).
لقد كان عمر المختار يتلوا القرآن الكريم بتدبر وإيمان عظيم فرزقه الله الثبات وهداه طريق الرشاد ولقد صاحبه حاله في التلاوة حتى النفس الأخير، وهو يساق الى حبل المشنقة وهو يتلو قوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئة ارجعي الى ربك راضية مرضية} (?) (سورة الفجر).