وإذ غابت الصفوة من العلماء الذين ينهضون بتكليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد غاب بغيابهم وجدان الأمة اليقظ الذي حرص القرآن الكريم أيما حرص على تربيته وصقله واعداده للدور الإنساني الخالد المتمثل في تكوين أمة تعرف الحق فتأمر به وتعرف المنكر فتنهى عنه فتسجيل بذلك أن تكون خير أمة أخرجت للنا مصداقا لقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (?)
وفي غياب الأمة المسلمة بالوعي القائم بتكليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعود الحياة إلى جاهلية جهلاء الحكم فيها للقهر والتسلط والبقاء فيها لذي البطش الشديد المزود بالمكر والخديعة. وهكذا آل الأمر في نجد في العصور المتأخرة فاستقبلت القرن الثاني عشر الهجري وقد عادت إليها النخوة القبلية والحمية الجاهلية فشمرت كل قبيلة عن ساعدها تقيم لها كيانا مستقلا باسم مشيخة أو إمارة على حساب غيرها من القبائل دون أدنى اهتمام من الغالب والمغلوب بالرابطة الدينية. "فغدا في كل بلد أمير بل كثيرا ما يتعدد الأمراء في البلد الواحد." (?) وهي في جملتها لا تعدو أن تكون قرى صغيرة قليلة السكان محدودة الموارد. وكان دأب هؤلاء الأمراء التنازع والتقاتل حتى يستخلص القاتل الأمر من المقتول. (?)