ولا نستطيع أن ندرك عظم هذا الأثر إلا إذا استحضرنا في أذهاننا إلي أي حد شهدت القرون المتأخرة تحكم المذاهب في اتباعها واستسلام العقول لمقررات المذاهب باعتبارها فوق البحث والمناقشة" حتى فشت فاشية التعصب المذهبي فوجدنا من يقولون بوجوب تقليد إمام من الأئمة فإذا ما قلده وجب عليه ألا يتحول عن أحكام مذهبة لا في كثير ولا في قليل1 ".وهو ما عرضنا له في الباب الثاني.
ولعله مما يستلفت الانتباه أنه ما من عالم أو مفكر من علماء الإسلام في القرن الثامن عشر ميلادي وما سبقه رضي للنفسه أو رضي له محبوه أن يذكر مجردا من انتمائه المذهبي. فيقال: فلان.. المالكي أو الشافعي أو الحنبلي. ودلالة ذلك واضحة: أنها تدل على قداسة المذاهب حتى غدا دينا يتسمى به أتباعه..حتى جاء محمد بن عبد الوهاب فجرد المذاهب من هذه القداسة المدعاة لها، ومنذ ظهرت دعوته بدء علماء يحررون أسمائهم ونسبتهم من ذكر المذاهب، فأصبح الباحث يجد بين يديه الكثير من المفكرين الذين لا يعتبرون هذا الانتساب مما يتعين إظهاره والتعريف به. ثم بدأ العلماء يحررون أفكارهم من التقيد بمذهب واحد "2.