البشرية دونها، ولهذا كان القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة كما يقول الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه. (?)
وقد حمل القضاء أمانة تحقيق العدل منذ فجر التاريخ, فإلى ساحة القضاء يهرع الناس جميعاً يلتمسون العدل والنصفة وهم عنده سواء لا قوي لديه ولا ضعيف ولا شريف أمامه ولا مشروف, لا يرهب أحداً لقوته ولا يستخف بحق أحد لهوانه وضعف قدرته, فهو حصن الأمان لكل من داهمه الخوف، وهو النظام الذي يصل به العدل إلى كل من اجترأ على الحق، وإذا كان القضاة هم ضمير الأمة ومعقد رجائها في إعلاء كلمة الحق والعدل التي أودعها خالقهم أمانة مقدسة بينهم لينطقوا في أمرها بعد بحث وكد ونصب وعناء فإنه حري بهم أن يسلكوا مسلك الشورى التي أمر الله بها؛ لأن القضاء من جملة الأمور التي أمر الله أن يُتشاور فيها, بل هو أهمها فيما التبس من الأمور وفيما لا يوجد فيه نص واضح وقاطع وما أكثر الملتبسات والمشتبهات، فالواجب على القاضي أن يبذل الجهد في فهم النص وفهم الواقعة وأن يشاور أيضاً أهل العلم والصلاح والفطنة لما لذلك من أثر في استجلاء الحقيقة والتثبت في فهم النص وفهم الواقعة (?) , ولقد اعتبر بعض العلماء المشاورة في القضاء مندوب إليها, ونقل عن جماعة من العلماء القول بالوجوب (?) , ونقل القرطبي أن ابن عطية قال: من لم يستشر أهل العلم والدين فعزله واجب. (?)
قلت: الظاهر أن الشرع قد حث على المشاورة في جميع الأمور التي نص فيها فما بالك في القضاء، ففي سورة آل عمران يقول تعالى مخاطباً نبيه: (وشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (?) , وفي سورة الشورى يقول سبحانه: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ).