وما أحوج الأمة اليوم إلى أن تدفع بمجموعة من علمائها إلى المجالس التشريعية لتستخرج من الأدلة الشرعية تشريعاً فيه شفاء لعلل الأمة وأدوائها في شتى مجالات الحياة وفي جميع أبواب المعاملات لتكون قوانينها هي مرجع الناس جميعاً حكاماً ومحكومين ومنهل ورودهم ومحل تطبيقهم لشرع الله, فهذه هي الدعوة الصادقة لتحكيم شرع الله والاعتصام به (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (?).
ومسألة التقنين وإن كانت لم تظهر في شكلها المعاصر في العالم الإسلامي إلا في أواخر الدولة العثمانية (1255هـ الموافق 1839م) كما يقول الدكتور عبد الناصر موسى (?) , أما أبي الأعلى المودودي فهو يرى أن الهند هي أول من أدخل القوانين الوضعية في البلدان الإسلامية حيث يقول: وكان أول بلد استبدلت فيه القوانين الإسلامية بالقوانين الوضعية هو الهند في عام 1791م كأثر للاستعمار البريطاني (?) , وتأتي الجزائر بعد ذلك سنة 1830م (?) , فتكون الدولة العثمانية بعد ذلك أي في عام 1839م , وما بعد قد أوجدت ازدواجاً تشريعياً وقضائياً كنتيجة لأثر من آثار الضعف الذي أصاب الدولة الإسلامية والحضارة العربية الإسلامية، ولا شك أن الاعتقاد الذي ساد بأن الاقتباس من النظم الأوربية ومن الدول المتقدمة يؤدي إلى تقدم الدول الإسلامية الضعيفة قد زاد من وهن الدولة الإسلامية لحصول الازدواجية في التشريع وعدم إحياء الحضارة العربية الإسلامية بما يجعلها تواكب الحضارة الغربية, وكل ذلك أدى إلى العزوف عن أحكام الشريعة وعدم العودة إلى الفقه الإسلامي لاستنباط الأحكام وتقنينها في شتى مناحي الحياة تعويلاً على ما يأتي من الغرب فعمت ازدواجية التشريع الكثير في البلدان الإسلامية إن لم نقل أنه تم الاستبدال في بعض الأحوال للقانون الإسلامي بالقوانين الغربية دون مراعاة لحاجيات المجتمع العربي وخصوصياته الإسلامية (?).