إن مشاورة المسلمين في أمورهم العامة ومصالحهم المشتركة هو حق لهم لا يجوز غصبه منهم وإذا كان إشراك الناس أو من يقوم مقامهم في الشورى وفي تدبير أمورهم , هو حق من حقوقهم , فلا شك أن غصبهم هذا الحق وإسقاطه وتعطيله هو ظلم لهم وهذا الظلم يتفاقم ويتفاحش بعدد أصحاب الحق، وبقدر استمرار هذا الغصب وسيئ آثاره (?) المتراكمة " فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" (الحشر , آية: 2).
يقول ابن خلدون: ولا تحسبن الظلم إنما هو أخذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عوض ولا سبب , كما في المشهور , بل الظلم أعم من ذلك وكل من أخذ من ملك أحد أو غصبه في عمله أو طالبه بغير حق أوفرض عليه حق لم يفرض الشرع فقد ظلمه ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران (?). فالشورى المصدر الثاني لهداية الناس ورشدهم وصلاح أمورهم , بعد الوحي , وعلى أنها حق من حقوق المسلمين وأن غصبه وتعطيله هو من أعظم المظالم والمفاسد التي حاقت بالمسلمين , وأن تصحيح هذا الوضع وإعادة الشورى إلى نصابها هو أحد الشروط الضرورية وأحد المسالك الأساسية لكل إصلاح ونهوض ديني ودنيوي.
إن الفراغ التنظيمي والفقهي في مسألة إدارة الشورى , وإدارة الاختلافات السياسية قد شكل على الدوام سبباً لتحكم منطق القوة والغلبة بكل مايعنيه ذلك من فتن وصراعات وتصفيات دموية وقد وردت أحاديث وآثار صحيحة كانت تقتضي المبادرة إلى وضع قواعد مضبوطة ومتعارف عليها لفض النزاعات وتجاوزها وصد الفتن وتجنبها بدل السقوط فيها ومعالجتها بالسيوف (?).