وأما الآيات الواردة في النهي عن موالاة اليهود والنصارى , كقوله تعالى:" َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (المائدة , آية: 51).
فهي واردة ضمن حالة الحرب والعداوة الظاهرة (?) , وليس ضمن حالة السلم والتعايش الأهلي ما بين الناس جميعاً , وإلا لكان من النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول المدينة وإقامة دولته فيها , أن يبدأ بقتال اليهود وطردهم من بيوتهم وهذا مالم يحدث البتة , وإنما قام النبي صلى الله عليه وسلم: بجعل الدستور السياسي الذي يشمل جميع المواطنين هو الحكم , ومن ثم لما اتضح له خيانة اليهود وعذرهم المعتاد قام , بإجلاء بعضهم , وقتل البعض الآخر.
ومما يؤيد جواز استشارتهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جعل الشورى بين جميع أصحابه , حتى من علم منهم نفاقه وكيده للإسلام والمسلمين , كإبن سلول واستشارهم في مواضع عديدة منها الخروج يوم أحد , يقول العلامة ابن عاشور التونسي في شأن مشاورة الرسول للمنافقين: ويحتمل أن يراد استشارة عبد الله بن أبي وأصحابه , فالمراد الأخذ بظاهر أحوالهم وتأليفهم لعلهم أن يخلصوا الإسلام أو لا يزيدوا نفاقاً وقطعاً لأعذارهم فيما يستقبل (?). فإذا كان هذا حال الرسول مع أعدائه المواطنين , الذين يسكنون معه , ويقيمون بين ظهرانيه فكيف الحال مع أهل الذمة , الذين أسلموا أمرهم في احترام قيم الدولة الإسلامية (?).