وَمِنْهُم أَحْمد ابْن عبد الْحَلِيم بن عبد السَّلَام الْعَلامَة الْحَافِظ الْمُجْتَهد الْمُفَسّر شيخ الْإِسْلَام نادرة العصرة علم الزهاد
هُوَ الْبَحْر من أَي النواحي جِئْته والبدر من أَي الضواحي رَأَيْته رضع ثدي الْعلم مُنْذُ فطم وطلع وَجه الصَّباح ليحاكيه فلطم وَقطع اللَّيْل وَالنَّهَار ردائين وَاتخذ الْعلم وَالْعَمَل صاحبين إِلَى أَن أنسى السّلف بهداه وأنأى الْخلف عَن بُلُوغ مداه على أَنه من بَيت نشأت مِنْهُ عُلَمَاء فِي سالف الدهور ونشأت مِنْهُ عُظَمَاء على الْمَشَاهِير الشُّهُور فأحيا معالم بَيته الْقَدِيم إِذْ درس وجنى من فننه الرطيب مَا غرس وَأصْبح فِي فَضله آيَة إِلَّا أَنه آيَة الحرس عرضت لَهُ الكدي فزحزحها وعارضته الْبحار فضحضها ثمَّ كَانَ أمة وَحده وفردا حَتَّى نزل لحده أخمل من القرناء كل عَظِيم وأخمد من أهل الْبدع كل حَدِيث وقديم جَاءَ فِي عصر مأهول بالعلماء مشحون بنجوم السَّمَاء تموج فِي جوانبه بحور خضارم وَتَطير بَين خافقيه نسور قشاعم وتشرق فِي أنديته بدور دجنة وتبرق فِي ألويته صُدُور أسنة إِلَّا أَن شمسه طمست تِلْكَ النُّجُوم وبحره طم على تِلْكَ الغيوم وابتلع غديره المطمئن جداولها واقتلع طوده المرجحن جنادلها ثمَّ عبيت لَهُ الْكَتَائِب فحطم صفوفها وخطم أنوفها وأخمدت أنفاسهم رِيحه وأكمدت شراراتهم مصابيحه ... تقدم ركابا فيهم إِمَامًا ... ولولاه لما ركبُوا وَرَاءه ...
فَجمع أشتات الْمذَاهب وشتات الذَّاهِب وَنقل عَن أَئِمَّة الْإِجْمَاع فَمن سواهُم مذاهبهم الْمُخْتَلفَة واستحضرها وَمثل صورهم الذاهبة وأحضرها فَلَو شعر أَبُو حنيفَة بِزَمَانِهِ وَملك أمره لأدنى عصره إِلَيْهِ مقتربا