عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ رَوْحُهُ نُورًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ يُسَبِّحُ ذَلِكَ النُّورُ وَتُسَبّحُ الْمَلَائِكَةُ بِتَسْبِيحِهِ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ أَلْقَى ذَلِكَ النُّورَ فِي صُلْبِهِ فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم (فَأَهْبَطَنِي اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ فِي صُلْب آدَمَ وَجَعَلَنِي فِي صُلْبِ نُوحٍ وَقَذَفَ بِي فِي صُلْبِ إِبْرَاهِيمَ ثُمَّ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ تَعَالَى يَنْقُلُنِي مِنَ الأَصْلَابِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَرْحَام الطَّاهِرَةِ حَتَّى أَخْرَجَنِي مِنَ أَبَوَيَّ لَمْ يَلْتَقِيَا عَلَى سِفَاحٍ قَطُّ، وَيَشْهَدُ بِصِحَّةِ هَذَا الخير شِعْرُ الْعَبَّاسِ الْمَشْهُورُ في مديح النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(فصل) وَأَمَّا مَا تَدْعُو ضَرُورَةُ الْحَيَاةِ إليْهِ مِمَّا فَصَّلْنَاهُ فَعَلَى ثُلاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ الْفَضْلُ فِي قِلَّتِهِ وَضَرْبٌ الْفَضْلُِ فِي كَثْرَتِهِ وَضَرْبٌ تَخْتَلِفُ الْأَحوَالُ فِيهِ، فَأَمَّا مَا التَّمَدُّحُ وَالْكَمَالُ بِقِلَّتِهِ اتِّفَاقًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ عَادَةً وَشَرِيعَةً كَالْغِذَاءِ وَالنَّوْمِ، وَلَمْ تَزَلِ الْعَرَبُ وَالحُكَمَاءُ تَتَمَادَحُ بِقِلَّتِهِمَا وَتَذُمُّ بِكثْرَتِهِمَا لأنَّ كَثْرَةَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ دَلِيلٌ عَلَى النَّهَمِ وَالْحِرْصِ وَالشَّرَهِ وَغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ، مُسَبِّبٌ لِمَضَارِّ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ جَالِبٌ لأدواء