دَلَالَة عَلَى نُبُوَّتِه وصحَّة دَعْوَتِه إِذ أظْهَرَه اللَّه تَعَالَى بَعْد هَذَا عَلَى صَنَادِيد الْعَرَب وَمِن نَاوأَه من أشْرَافِهِم شيئا فشيئا وَنَمى أمْرُه حَتَّى قَهَرَهُم وَتَمَكّن من مِلْك مَقَالِيدِهِم وَاسْتِباحَه مما لك كثير مِن الْأُمَم غَيْرِهِم بإظْهَار اللَّه تَعَالَى لَه وتأييده بنصره وبالمؤمنين وألف بَيْن قُلُوبِهِم وإمْدَادِه بِالْمَلَائِكَة الْمُسَوّمِين وَلَو كَان ابن مُلْك أَو ذا أشْياع متقدمين لحسب كثير مِن
الجهال أَنّ ذَلِك موجب ظهوره ومقتضى علوه ولهذا قَال هرقل حِين سَأَل أَبَا سُفْيَان عنه هل فِي آبائه من مُلْك؟ ثُمّ قَال: وَلَو كَان فِي آبائه مُلْك لَقلنا رَجُل يَطْلُب مُلْك أبيه وَإذَا الْيُتْم من صِفَتِه وإحْدَى عَلَامَاتِه فِي الْكُتُب الْمُتَقَدّمَة وأخْبَار الْأُمَم السّالِفة وَكَذَا وَقَع ذِكْرُه في كِتَاب أرْميَاء وبهذا وصَفَه ابن ذِي يَزَن لعبد المُطلب وَبَحيرًا لأبي طَالِب وَكَذَلِك إذَا وُصِف بأنَّه أُمّيّ كَمَا وصَفَه اللَّه فهي مِدْحَة لَه وَفَضِيلَة ثَابِتَة فِيه وَقَاعِدَة مُعْجِزَتُه إذ معجزته الْعُظمَى مِن الْقُرْآن العَظِيم إنَّمَا هِي مُتَعَلقَة بِطَريق المَعَارِف وَالْعُلُوم مَع مَا مُنَح صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم وَفُضَّل بِه من ذَلِك كَمَا قَدّمْنَاه فِي القِسْم الأول وَوُجُود مِثْل ذَلِك من رَجُل لَم يَقْرأ وَلَم يَكْتُب وَلَم يُدارِس وَلَا لُقّن مُقْتَضَى العَجَب وَمُنْتَهَى الْعِبَر وَمُعْجِزَة الْبَشَر وَلَيْس فِي ذَلِك نَقيصَة إِذ المطلوب مِن الكِتَابَة والقراءة المَعْرفَة وَإِنَّمَا هي آلة.