شَكَاهَا إليْه زيد قَال لَه (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) وأخْفَى مِنْه فِي نَفْسِه ما أعلمه الله به من أنه يتزوجها بما اللَّه مُبْديِه وَمُظْهِرُه بِتَمَام التَّزْوِيج وَطَلَاق زَيْد لَهَا، وَرَوَى نحو عَمْرو بن فائِد عَن الزُّهْرِيّ قَال نَزَل جِبْرِيل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم يُعْلِمُه أَنّ اللَّه يُزَوَّجُه زَيْنَب بِنت جَحْش فَذَلِك الَّذِي أخْفَى فِي نَفْسِه، ويُصَحَّح هَذَا قَوْل الْمُفَسّرِين فِي قَوْلِه تَعَالَى بَعْد هَذَا (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا) أي لَا بُدّ لَك أن تَتَزَوَّجَهَا، وَيُوضِح هَذَا أَنّ الله لَم يُبْد من أمْرِه معها غَيْر زَوَاجِه لَهَا، فَدَلّ أنَّه الَّذِي أخْفَاه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم مِمَّا كَان أعْلَمَه بِه تَعَالَى وَقَوْلُه تَعَالَى فِي الْقِصَّة: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ الله) الآيَة، فَدَلّ أنَّه لَم يَكُن عَلَيْه حرج فِي الأمر، قَال الطَّبَرِيّ مَا كَان اللَّه ليؤثم نبيه فِيمَا أحل لَه مثال فعله لمن قبله مِن الرُّسُل، قَال اللَّه تَعَالَى: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) أي مِن النَّبِيّين فِيمَا أحل لَهُم وَلَو كَان عَلَى مَا رُوِي فِي حَدِيث قَتَادَة من وُقُوعهَا من قَلْب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم عِنْد مَا أعْجَبَتْه ومحبته طلاق زيد لَهَا لكان فِيه أعظم الحرج وَمَا لَا يليق بِه من مد عَيْنَيْه لَمّا
نُهِي عَنْه من زهرة الحياة الدُّنْيَا ولكان هَذَا نفس الحسد المذموم الَّذِي لَا يرضاه وَلَا يتسم بِه الأتقياء، فكيف سَيّد الْأَنْبِيَاء؟ قَال الْقُشَيْرِيّ وَهَذَا إقدام عظيم من قائله وقلة معرفة بحق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم وبفضله وكيف يقال رآها فأعجبته وَهِي بِنْت عمته وَلَم يزل يراها