عَبْد الوَهَّاب لَا يُمْكِن أن يُقَال إنّ فِي مَعَاصِي اللَّه صَغِيرَة إلَّا عَلَى مَعْنَي أنَّهَا تُغُتَفَر باجْتِنَاب الكَبَائِر وَلَا يَكُون لَهَا حُكم مَع ذَلِك بِخِلَاف الكَبَائِر إذَا لَم يُتب مِنْهَا فلا يحبطها شئ والمَشِيئَة فِي العَفْو عَنْهَا إِلَى اللَّه تَعَالَى وَهُو قَوْل الْقَاضِي أَبِي بَكْر وجماعة أئمة الأشْعَريَّة وَكَثِير من أئمَّة الفُقَهاء، وَقَال بَعْض أئِمَّتنا: وَلَا يَجِب عَلَى القَوْلَيْن أن يَخْتَلِف أَنَّهُم مَعْصُومُون عَن تَكْرار الصَّغَائِر وَكَثْرَتِهِا إذ يُلْحِقُهَا ذَلِك بالكَبَائِر وَلَا فِي صَغِيرة أدَّت
إِلَى إزَالة الحِشْمَة وأسقطت المروؤة وَأوْجَبَت الإزْرَاء وَالخَسَاسَة، فَهَذَا أيْضًا مِمَّا يُعْصَم عَنْه الْأَنْبِيَاء إجْماعًا، لِأَنّ مِثْل هَذَا يَحُطّ مَنْصِب المتسيم بِه وَيُزرِي بِصَاحِبه وَيُنَفّر القُلُوب عَنْه وَالْأَنْبِيَاء مُنَزَّهُون عَن ذَلِك، بَل يَلْحَق بَهَذَا مَا كَان من قَبيل المُبَاح فَأدّى إِلَى مِثْلُه لخُرُوجِه بِمَا أدَّى إليْه عَن اسْم المُبَاح إِلَى الحَظْر، وَقَد ذَهَب بَعْضُهُم إِلَى عِصْمَتِهم من مُوَاقَعَة المَكْرُوه قَصْدًا، وَقَد اسْتَدَلّ بَعْض الْأَئِمَّة عَلَى عصمتهم مِن الصَّغَائِر بالمَصِير إِلَى امتثال أفعالهم واتَّبَاع آثارِهِم وسِيرَهِم مُطْلَقًا، وَجُمْهُور الفُقَهَاء عَلَى ذَلِك من أصْحَاب مَالِك والشافعي وَأَبِي حَنِيفَة من غَيْر الْتِزَام قَرِينَة بَل مُطْلَقًا عِنْد بَعْضُهُم وَإِنّ اخْتَلَفُوا فِي حُكْم ذَلِك، وَحَكى ابن خويز منداذ وَأَبُو الفَرَج عَن مَالِك التِزام ذَلِك وُجُوبًا وَهُو قَوْل الأبْهَرِيّ وَابْن القَصّار وأكْثَر أصْحَابِنا وَقَوْل أكْثَر أَهْل العِرَاق وَابْن سُرَيْج والإصْطَخْرِيّ