ذَات الجَنْب فَقَال (إِنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيُسَلِّطَهُ عَلَيَّ) فَإِن قِيل

فَمَا مَعْنَي قَوْلِه تَعَالَى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) الآيَة؟ فَقَد قَال بَعْض الْمُفَسّرِين إنها رَاجِعَة إِلَى قَوْلِه (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) ثُمَّ قَال وإما يَنْزَغَنَّكَ أَي يَسْتَخِفَّنَّكَ غَضَبٌ يَحْمِلُكَ عَلَى تَرْكِ الإِعْرَاضِ عَنْهُمْ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَقِيلَ النزع هُنَا الْفَسَاد كَمَا قَال (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) وقيل ينرغنك يغرينك ويخركنك، والنزع أدْنى الْوَسْوَسَة فأمَرَه اللَّه تَعَالَى أنَّه مَتَى تَحَرَّك عَلَيْه غَضَبٌ عَلَى عَدُوِّهِ أَو رَام الشَّيْطَان من إغْرَائِه بِه وَخَوَاطِر أدْنى وَسَاوِسِه مَا لم يُجعَل لَه سَبِيل إليْه أن يَسْتَعِيذ مِنْه فَيُكْفى أمْرُه وَيَكُون سبب نمام عِصْمِته إذ لَم يُسَلَّط عَلَيْه بِأكْثَر مِن التَّعَرُّض لَه وَلَم يُجْعَل لَه قُدْرَة عَلَيْه وَقَد قِيل فِي هَذِه الآيَة غَيْر هَذَا وَكَذَلِك لَا يَصِحّ أن يُتَصَور لَه الشَّيْطَان فِي صُورَة المَلَك وَيُلَبَّس عَلَيْه لَا فِي أَوَّل الرّسَالة وَلَا بَعْدَهَا وَالاعْتِمَاد فِي ذَلِك دَلِيل المُعْجِزة بَل لَا يَشُكّ النَّبِيّ أَنّ مَا يَأتِيه مِن اللَّه المَلَك وَرَسُولُه حَقِيقَة إِمَّا بِعِلْم ضَرُورِي يَخْلُقُه اللَّه لَه أَو بِبُرْهَان يُظْهِرُه لديه لِتَتمّ كلمة رَبّك صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدّل لِكَلِمَاتِه.

فَإِن قِيل فَمَا مَعْنَي قوله تعالى: (وما أرسلنا منى قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) الآيَة؟ فاعلم أَنّ لِلنَّاس فِي مَعْنَي هَذِه الآيَة أقاوِيل مِنْهَا السَّهْل وَالْوَعْث *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015