لَه ابْتِدَاء بِمَعْنَي الصَّيْرُورَة كَمَا جاء فِي حَدِيث الجَهنميين عَادُوا حُمَمًا وَلَم يَكُونُوا قَبْل كَذَلِك، ومثل قَوْل الشَّاعِر: - تِلْك المَكارِم لَا قَعْبَان من لَبَن * شِيبا بماء فعادا بَعْد أبْوَالا
وما كان قَبْل كَذَلِك، فَإِنّ قلت فما معنى قوله: (وجدك ضالا فهدى) فَلَيْس هُو مِن الضَّلال الَّذِي هُو الكُفْر؟ قِيل ضَالًا عَن النُّبُوَّة فَهَدَاك إِلَيْهَا، قاله الطَّبَرِيّ، وَقِيل وَجَدَك بَيْن أَهْل الضَلَال فَعَصَمَك من ذَلِك وَهَدَاك بالإيمان وَإلَى إرْشَادِهِم وَنَحْوَه عَن السُّدّيّ وَغَيْر وَاحِد، وَقِيل ضالًا عَن شَرِيعَتِك أَي لَا تَعْرِفُهَا فَهَدَاك إِلَيْهَا، وَالضَّلَال ههُنَا التَّحَيُّر وَلِهَذَا كان صلى الله عليه وسلم يخلو بِغَار حِرَاء فِي طَلَب مَا يَتَوَجَّه بِه إِلَى رَبَّه وَيَتَشَرَّع بِه حَتَّى هَدَاه اللَّه إِلَى الْإِسْلَام قَال مَعْنَاه المشيرى وَقِيل لَا تَعْرِف الْحَقّ فَهَدَاك إليْه، وَهَذَا مِثْل قَوْلِه تَعَالَى:) وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) قَالَه عَلِيّ بن عِيسَى، قَال ابن عَبَّاس لَم تَكُن لَه ضَلَالَة مَعَصِيَة وَقِيل هَدَى: أَي بَيْن أمْرَك بِالْبَرَاهِين وقيل: (وجدك ضالا) بين مكة والمدينة فهدك إِلَى الْمَدِينَة وَقِيل الْمَعْنَى وَجَدَك فَهَدَى بك ضَالًا * وَعَن جعفر ابن مُحَمَّد (وَوَجَدَكَ ضَالا) عَن مَحَبَّتِي لَك فِي الْأَزَل أي لَا تَعْرِفُهَا فَمَنَنْت عَلَيْك بِمَعْرفَتِي، وَقَرأ الحسن بن علي (ووجدك ضال فَهَدَى) أَي اهْتَدَى بك، وَقَال ابن عَطَاء: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) أَي: مُحِبًا لِمَعْرفَتِي والضَّالّ الْمُحِبّ كما قَال: (إِنَّكَ لَفِي ضلالك القديم) أَي مَحَبَّتِك الْقَدِيمَة