بِالْمَحَبَّةِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ دَرَجَةُ الْخُلَّةِ أَرْفَعُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ كُنْتُ مُتَّخذًا خَلِيلًا غَيْرِ رَبّي عَزَّ وَجَلَّ) فَلَمْ يَتَّخِذْهُ وَقَدْ أطْلَقَ الْمَحَبَّةَ لِفَاطِمَةَ وابْنَيْهَا وَأُسَامَةَ وَغَيْرِهِمْ وَأَكْثَرُهُمْ جَعَلَ الْمَحَبَّةَ أَرْفَعَ مِنَ الْخُلَّةِ لِأَنَّ دَرَجَة الْحَبِيبِ نَبِيَّنَا أرْفَعُ من دَرَجَة الْخَلِيلِ إبْرَاهِيمَ وَأصْلُ الْمَحَبَّةِ الْمَيْلُ إِلَى مَا يُوَافِقُ الْمُحِبَّ وَلَكنْ هَذَا فِي حَقّ من يَصِحُّ الْمَيْلُ مِنْهُ وَالانْتِفَاعُ بِالْوَفْقِ وَهِيَ دَرَجَةُ الْمَخْلُوقِ فأَمَّا الْخَالِقُ فمنزه عن الأعراض فَمَحَبَّتُهُ لِعَبْدِه تَمْكِينُهُ من سَعَادَتِهِ وَعِصْمَتُهُ وَتَوْفِيقُهُ وَتَهْيِئَةُ أَسْبَابِ الْقُرْبِ وَإفَاضَةُ رَحْمَتِهِ عَلَيْهِ وَقُصْوَاهَا كَشْفُ الْحُجُبِ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى يَرَاهُ بِقَلْبِهِ وَيَنْظُرَ إليْهِ بِبَصِيرَتِهِ فَيَكُونُ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثَ (فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ) وَلَا يَنْبَغِي أَن يُفْهَمَ من هَذَا سِوَى التّجَرُّد لله والانْقِطَاعِ إِلَى اللَّه وَالْإِعْرَاضِ عَنْ غَيْرِ اللَّه وَصَفَاءِ الْقَلْبِ لله وَإخْلَاصِ الْحَرَكَاتِ لله كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ بِرِضَاهُ يَرْضَى وَبِسَخِطِهِ يَسْخَطُ، وَمِنْ هَذَا عَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْخُلَّةِ بِقَوْلِهِ:
قَدْ تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنّي * وَبذَا سُمّي الْخَلِيلُ خَلِيلًا فَإِذَا مَا نَطَقْتُ كُنْتَ حَدِيثِي * وَإذَا مَا سَكَتُّ كُنْتَ الْغَلِيلَا فَإِذَا مَزِيةُ الْخُلَّةِ وَخُصُوصِيَّةُ الْمَحَبَّةَ حَاصِلَةٌ لِنَبِيّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْه