الْحَدِيثَ الآخَرِ لَمْ أرَهُ بِعَيْنِي وَلَكِنْ رَأَيْتُهُ بِقَلْبِي مَرَّتَيْنِ وَتلَا (ثُمَّ دَنَا فتدلى) والله تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الإدْرَاكِ الَّذِي فِي الْبَصَرِ فِي الْقَلْبِ أَوْ كَيْفَ شَاءَ لَا إله غَيْرُهُ فَإِنْ ورد حَدِيث نَصٍّ بَيِّنٌ فِي الْبَابِ اعْتُقِدَ وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إذْ لَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ وَلَا مَانِعَ قَطْعِيٌّ يرُدُّهُ والله الْمُوَفِّقُ لِلصَّوابِ.
(فصل) وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ مُنَاجَاتِهِ لله تعالى وكلامه معه بِقَوْلِهِ (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أوحى) إِلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ الْأَحَادِيثُ فَأَكْثَرُ الْمُفَسّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُوحِيَ هُوَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى جِبْرِيلَ وجِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا شُذُوذًا مِنْهُمْ فَذُكِرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ قَالَ أَوْحَى إليْهِ بلا وَاسِطَةٍ وَنَحْوَهُ عَنِ الْوَاسِطِيّ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَكَلّمِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَلَّمَ رَبَّهُ فِي الْإِسْرَاءِ وَحُكِيَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَحَكَوْهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاس وَأَنْكَرَهُ آخَرُونَ وَذَكَرَ النَّقَّاشُ عَنِ ابْنِ عَبَّاس فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ دَنَا فَتَدَلَّى قَالَ فَارَقَنِي جِبْرِيلُ فَانْقَطَعَتِ الْأَصْواتُ عَنّي فَسَمِعْتُ كَلَامَ رَبّي وَهُوَ يَقُولُ: لِيَهْدَأْ رَوْعُكَ يَا مُحَمَّدُ ادْنُ ادْنُ.
وَفِي حَدِيث أَنَسٍ فِي الْإِسْرَاءِ نَحْوٌ مِنْهُ وَقَد احتَجَّوا فِي هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ