نفسها، وإذا كانت أمه وخالته سبب ما يلاقيه في حياته فإن رجليه سبب إنقاذه مما يلاقيه فيها:

فدى لكما رجلي أمي وخالتي ... بسعيكما بين الصفا والأثائب1

وعلى ما في أحاديث هذا العدو في أخبار الصعاليك وشعرهم من مبالغات يقف المرء عندها متسائلا: أيمكن أن يكون هذا صحيحا؟ فإنها -على كل حال- تصور ظاهرة لا شك في حقيقتها المجردة، وهي أن هؤلاء الصعاليك كانوا يمتازون بسرعة في العدو خارقة للعادة، وهي سرعة لفتت أنظار الرواة فسجلوها بما فيها من مبالغات، واستقرت في أذهان الناس فضربوا بها الأمثال، ووجد فيها بعض الشعراء المتأخرين مادة يستغلونها في فنهم، ويستخدمونها في تشبياتهم وصورهم الفنية2.

وينظر هؤلاء الصعاليك الأقوياء إلى المجتمع الذي يعيشون فيه، فإذا هو مجتمع ظالم، وإذا توزيع الثروة فيه توزيع جائر مضطرب. إنه مجتمع لا يؤمن إلا بالمال، ولكنه -مع ذلك- لا يحسن توزيع المال بين أفراده، فليس من العدل أن يكون لأحد أفراده عدد ضخم من الإبل في حين لا يملك الآخر غير حبل يجرره لا بعير فيه. وما هذه الإبل التي يملكها هذا الفرد سوى إبل الله خلقها للناس جميعا، فهي ليس حقا له وحده دون غيره من خلق الله في هذه الأرض3.

والعجيب من أمر هذا المجتمع أن بين من يعطيهم بغير حساب بخلاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015