ومن الطبيعي أن تجد دعوته آذانا صاغية، وقلوبا مؤمنة، وأنصارا مخلصين بين أولئك الفقراء المستضعفين الذين أجهدهم الفقر وأهزلهم الجوع، وأذلتهم الأوضاع الاجتماعية، وسدت الحياة في وجوههم سبل العيش الحر الكريم، فالتفت حوله طوائف من الصعاليك، يخرج بأقويائهم فيغير، ثم يوزع الغنائم على من أغار بهم، وعلى من تخلف عنه من المرضى والضعفاء أيضا، فربما عاد كل منهم إلى أهله وقد استغنى1.

وقد عرف الصعاليك في عروة هذه النفس الإنسانية القوية فكانوا إذا أصابتهم السنة أتوه "فجلسوا أمام بيته حتى إذا بصروا به صرخوا وقالوا: يا أبا الصعاليك، أغثنا" فيخرج ليغزو بهم2.

وقد عرف عروة لهذه "الأبوة" على حد تعبير هؤلاء الصعاليك الذين كان يسميهم "عياله"3 أو لهذه "الزعامة" -كما يصح أن نطلق عليها- حقوقها. فلم يكن يؤثر نفسه بشيء على صعاليكه، وإنما "كان صعلوكا فقيرا مثلهم"4، وفي بعض غارته، وهو مع قوم من هلاك عشيرته في شتاء شديد، قيض الله له رجلا "صاحب مائة من الإبل قد فر بها من حقوق قومه" فقتله وأخذ إبله ثم أقبل بالإبل يقسمها بين صعاليكه، وأخذ مثل نصيب أحدهم5.

وعرف هذا "الزعيم الشعبي" "نفسية جماهيره" فكان يقبل منهم أحيانا التواءهم عليه إذا ما تحسنت حالتهم؛ لأنه يعرف أنهم "كما الناس" على حد تعبيره6، ولأنه يدرك أنهم "صنيعته"، ولو أنه عاملهم كما يعاملونه لأفسد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015