أما المنبع الثالث لأصباغ لون التشبيه عند الشعراء الصعاليك، وهو البيئة الطبيعية، فلعله أقل المنابع الثلاثة تدفقا في شعر الصعاليك. ولست أرى سببا لهذا سوى شغل الصعاليك بكفاحهم في الحياة من أجل العيش عن التأمل في الطبيعية، واستغلال مظاهرها في فنهم. وسنرى أن أصباغ هذا المنبع أقل طرافة من أصباغ المنبعين السابقين، وأن الصور الطريفة فيه أقل منها فيهما.
فظبات السهام عند عمرو ذي الكلب كشوك شجر السيال1، والربيء الذي يبعثه عروة ليرقب لهم الطريف يقوم فوق المربأة كأنه أصل شجرة لا يبرح موضعه:
إذا ما هبطنا منهلا في مخوفة ... بعثنا ربيئا في المرابي كالجذل2
وعيون رفاق تأبط شرا، أولئك الرفاق الأبطال الشعث، كأنها نار الغضا التي تتأجج بما يُلقى عليها من أعشاب الجبال الجافة:
مساعرة شعث كأن عيونهم ... حريق الغضا تُلقى عليها الشقائق3
ويتحدث تأبط شرا عن رجل كثير شعر الرأس متلبده لعدم عنايته به، فيشبهه بحقف الرمل الذي كثر صعود الناس عليه حتى أصبح صلبا متماسكا:
فذاك همي وغزوى أستغيث به ... إذا استغثت بضافي الرأس نغاق
كالحقف حدأة النامون قلت له ... ذو ثلتين وذو بهم وأرباق4
وحين يصف عروة الأسد يشبه زئيره بصوت الرعد، ولكنه يشعر أنه تشبيه عادي مألوف ليست فيه براعة ممتازة، فيحتال بعض الاحتيال ليضفي