والنساء المتهكمات، والأغنياء المترفين والصعاليك المعوزين، كل هذه الجوانب من الحياة الواقعية هي الأسس التي قام عليها الشعراء الصعاليك بناءهم الفني.

والمظهر الثاني لهذه الواقعية صدق النقل عن الحياة. ومطابقة الصورة للأصل، بحيث لا يشعر الناظر في شعر الصعاليك باختلاف بين الصورة الشعرية وأصلها في الحياة، أو بين ما يراه في شعرهم وما يشاهده في الحياة، حتى ليخيل إليه أنه أمام مجموعة من الصور "الفوتوغرافية". وهل صورة الضباع وجرائها عند الأعلم1. وحمار الوحش وأتنه عند أبي خراش2 إلا صور "فوتوغرافية" سجلتها "عدسات" الصعاليك لهذه النماذج من الطبيعة الحية؟ وهل صورة المرقبة عند الشنفرى3. وصورتها عند أبي خراش4، وصورة الشعب عند تأبط شرا5، وصورة البرق والرعد والسحاب والمطر عند صخر الغي6، إلا صور "فوتوغرافية" سجلتها "عدسات" الصعاليك لهذه الجانب من الطبيعة الصامتة؟

ومن مظاهر هذه الواقعية أيضا استكمال الصورة العامة، فحين ننظر مثلا في صورة حمار الوحش وأتنه عند أبي خراش نلاحظ أنها صورة واقعية كاملة استكملت كل عناصرها. بحيث نشعر بأننا أمام صورة طبيعية منقولة عن الواقع نقلا دقيقا كاملا. فحمار الوحش أقب خميص البطن، عنيف نشيط، وأتنه قد استبان حملها فهي متأبية عليه، والمكان فوق مرتفع من الأرض يشرف منه حمار الوحش على الآفاق خائفا يترقب، والزمان يوم شديد الحر من أيام الصيف الطويلة، ولكن المنظر يتغير حين تؤذن الشمس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015